الأحد: 19/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

في ذكرى رحيله- هواري بومدين... حكاية فلسطين والجزائر التي لن تنتهي

نشر بتاريخ: 27/12/2021 ( آخر تحديث: 27/12/2021 الساعة: 19:53 )

الكاتب: د.محمود الفطافطة

في مثل هذا اليوم من العام 1978، غادرنا أحد أشرف القادة العرب النادرين في العصر الحديث... إنه القائد والرئيس الجزائري هواري بومدين، صاحب المقولة الشهيرة" الجزائر مع فلسطين ظالمة ومظلومة".. هذا الزعيم الذي غادر دنيانا فقيراً من متاع الدنيا، لكنه غني بسيرته ومسيرته وخلوده الأبدي في ذاكرة أجيال عربية متلاحقة...

هذا القائد العربي الكبير الذي يعتبر من أبرز رجالات السياسة في الجزائروالوطن العربيفي النصف الثاني من القرن العشرين، وأحد رموزحركة عدم الانحياز، لعب دوراً هاماً على الساحة الأفريقية والعربية، وكان أول رئيس منالعالم الثالثيتحدث فيالأمم المتحدةعن نظام دولي جديد.

هذا هو القائد العربي الحر الذي فر من الجيش الفرنسي، إذ كانت السلطات الفرنسية تعتبر الجزائريين فرنسيين وتفرض عليهم الالتحاق بالثكنات الفرنسية عند بلوغهم سن الثامنة عشرة. استدعيَ بومدين للالتحاقبالجَيش الفِرنسيلكنّه كان مؤمنا في قرارة نفسه بأنه لا يمكن الالتحاق بجيش العدو، ولذلك رأى أنّ المخرج هو في الفرار والسفر، وعندما تمكن من اقناع رفاقه بالسفر باعوا ثيابهم للسفر برا باتجاه تونس.

في عهده أوفدتمنظمة التحرير الفلسطينيةسعيد السبعلافتتاح أول مكتب لفلسطين في الجزائر كان ذلك في صيف عام1965 في تلك الفترة فتح بومدين أبواب كلية شرشال العسكرية أمام الضباط الفلسطينيين فتم تخريج أوائل الضباط بحضور الرئيس بومدينوالسبع،كما أنه منح مقر الجنرال ديغول ليكون مقرالمنظمة التحرير. إنه التأثر صاحب المقولة الشهيرة وشعار للجزائر حتى الآننحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، وأكد على أن " لا وصاية على الفلسطينيين... لا تفاوض، لا تطبيع، ولا تعامل مع العدو "، وكان من دعاة رفع التحدي ومقاومة الاستعمار والإمبريالية، وبجهودهتمكنياسر عرفاتمن إلقاء خطابه الشهير في الأمم المتحدة عام1974م. وجدير ذكره، هنا، أن الرئيس عرفات قد ذهب إلى الأمم المتحدة على متن طائرة جزائرية وبجواز سفر جزائري وبحراسة أمنية جزائرية.

وفي حوار أجراه الشاعر الراحلمحمود درويشمع الرئيسياسر عرفاتفي الذكرى الخامسة عشر لانطلاق الثورة الفلسطينية، تطرق الشهيد أبو عمار إلى أدق التفاصيل لانطلاق الثورة، حيث أكد في حواره أن التأييد الأول الذي تحصلت عليه الثورة وهي في مهدها من الجزائر، وأن أول مكتب فتح للثَورة كان بالجَزائِر مَكْتب لقَائِد فِرنسي من أصل يهودي كان يستعمل قبله لتعذيب الجزائريين، وأن جزائر بومدين لم تبخل يوماً على الثورة في أي طلب في كافة المجالات من دعم سياسياً أو لوجستياً فاتحتاً ذِرَاعيهَا لاحتضان الثَورة الفِلسطينية.

إنه صاحب مقولة:" فلسطين هي كالإسمنت المسلح للأمة إذا تمسكنا بها، وإذا تخلينا عنها تصبح قنبلة تنفجر فينا جميعا". كما أنه لم يتردَّد في إرسال الجيش الجزائري إلى جبهات القتال مع الجيوش العربية ضد الجيش الإسرائيلي؛ كتأكيد منه على مواقفه الداعمة للقومية العربية، التي عُرف بها الزعماء العرب وقتها كجمال عبد الناصر وصدام حسين والملك فيصل.

وفي خطاب شهير بعد حرب 1967، قال بومدين: "سيحكم علينا التاريخ كخونة إذا قبِلنا هذه الهزيمة"، وتابع: "الجزائر لن تقبل هذه الهزيمة.. لن تقبلها أبداً". ووجد بومدين فرصة للانتقام في حرب أكتوبر/تشرين الأول سنة 1973، حيث أرسل الفيلق الثامن معزَّزاً بمدرعات وطائرات حربية، وخطب في الجنود قائلاً: "أمامكم طريقان: إما النصر أو الموت والاستشهاد". إن بومدين كان مشروع استقلال عربي كامل، وفي وقته كانت الأمة تفتخر بنفسها وذاتها. وذهب إلى موسكو ومنح بريجنيف صكاً على بياض لاقتناء السلاح ومحاربة إسرائيل، حتى أصبح من أكبر "أعداء الصهيونية والإمبريالية؛ لذلك قتلوه بالسم".

لقد طلب ياسر عرفات رئيس حركة فتح سنة 1964، من هواري بومدين وزير الدفاع آنذاك، أن يساعدهم بالسلاح و يدعم ثورتهم ضد الكيان الصهيوني فرد عليه الراحل اذهبوا اطلقوا رصاصة و طلعوا بيان وسيكون لكم ما تريدون، وفعلا قام عناصر فتح بعمليات عسكرية ضد العدو ليلة 31 ديسمبر 1964 و نشروا بيانا أعلنوا فيه قيام الثورة الفلسطينية فوفى بومدين بعهد الرجال و دعمهم بأول حمولة من الأسلحة على متن طائرة عسكرية حطت بمطار دمشق وفتح لهم مكتبا في العاصمة وفتح لهم أبواب التكوين العسكري بأكاديمية شرشال العسكرية التي تخرج منها أول فوج للضباط الفلسطينيين سنة 1966.

وبعد نكبة 1967 سيطر الكيان الصهيوني على غزة والضفة الغربية وسيناء وهضبة الجولان فجاء رد فعل الرئيس بومدين بأن طلب من المجتمعين في المؤتمر الطاقوي أن تقوم الدول العربية بتأميم محروقاتها لكن لم تستجب أية دولة لطلبه وقام لوحده بطرد الشركات الأمريكية والبريطانية من صحراء الجزائر بداية سنة 1968 وبدأ يتفاوض مع فرنسا حتى أمم المحروقات سنة 1971.

وخلال القمة العربية التي انعقدت سنة 1974 بالمغرب كان كل واحد يريد استغلال القضية الفلسطينية ليفاوض بها أسياده لكن الرئيس بومدين تفطن لذلك وفرض نظرته القاضية بأنه لا وصاية على فلسطين وأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. أما بعد اندلاع حرب أكتوبر 1973، فقد طار بومدين إلى قادة موسكو؛ مسلماً إياهم صكا بـ 200 مليون دولار مقابل الأسلحة التي سمحت بانتصار تاريخي ومعركة انتقامية ضد الكيان الصهيوني.

الحديث عن القائد العربي الفذ، هواري بومدين ووقوفه إلى جانب القضية فلسطين وشعبها وقضيتها يطول، ولكن مجمل القول، هنا، إن مثل هؤلاء القادة الذين تركوا بصمة و"ماركة" خاصة بهم، دون أن يتقاعسوا يوماً في التضامن مع الشعوب المظلومة هم العظماء والأحرار. هذا القائد الرجل الإنسان، واجه الكثير من المتاعب، ودفع كثيراً من التضحيات من أجل الدفاع عن القضايا العربية، وفي مركزيتها فلسطين. نتذكر هذا القائد العظيم، في ذكرى وفاته، ودوماً لأنه خالدٌ فينا، وفي ضمير كل حر في هذا العالم. إنه من الأحرار الذين باعوا أنفسهم لأوطانهم ولشعوبهم، على النقيض من القوادين الذين نراهم بيننا وما هم منا، والعرب والعروبة براءٌ منهم.. شتان ما بين بومدين الذي قال لا وصاية على فلسطين ولا التطبيع من الصهيونية، وبين الذين باعوا أنفسهم ودولهم للصهيونية ولقيطتها المسماة زوراً" إسرائيل"..

رحم الله القائد العربي الجزائري هواري بومدين، إذ أنه سيبقى فينا خالداً؛ بسيرته العطرة، ومسيرته الخصبة..