الأحد: 19/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

الاعتقال الإداري وسبل مقاومته

نشر بتاريخ: 02/01/2022 ( آخر تحديث: 02/01/2022 الساعة: 15:23 )

الكاتب: د. أسامة محمد الأخرس




تتعاظم وتتمدد سياسات الاحتلال الصهيوني في إجراء الاعتقال الإداري بالتوازي مع مسيرة نضالات الشعب الفلسطيني ومقاومته، وقد لوحظ تعاظم هذه السياسة وتوسعها مع الهبات الجماهيرية والتخوف من تعاظم المقاومة، أو في محاولة إسكات الشارع قبل عمليات وسياسات وإجراءات احتلالية معادية، وقد استخدمت لمنع الوحدة الفلسطينية أو لمنع الانتخابات، أو لتغييب من انتخبوا، لقد تضاعف عدد المعتقلين الإداريين في السنوات الأخيرة للأسباب السابقة.
يتم هذا الاعتقال الإداري استنادا إلى أمر إداري فقط يصدر عن القائد العسكري بموجب مجموعة متعددة من القوانين الاحتلالية التي تتناقض والقانون الدولي الإنساني، ويتم هذا الاعتقال بدون حسم قضائي، وبدون لائحة اتهام وبدون محاكمة، ودون إطلاع المعتقل أو محاميه على التهم الموجهة إليه ويحق للقائد العسكريّ عشيّة انتهاء مدّة الأمر الإداري الإيعاز بتمديد الأمر الأصلي لمدّة ستّة أشهر إضافيّة، (62%) أوامر تمديد اعتقال، ولم تحدَّد قوانين الاحتلال مدّة تراكميّة قصوى للتحفّظ على شخص رهن الاعتقال الإداري ولذلك يمكن تمديد الاعتقال مرارًا وتكرارًا لسنوات طويلة دون أية تهمة.
خلال ثمانية أيّام من يوم الاعتقال أو يوم التمديد يتم جلب المعتقل أمام قاضٍ عسكريّ ذي صلاحية ليصادق على الأمر أو يلغيه أو يقصّر مدّة الاعتقال المحدّدة فيه، وفي الممارسة والتجربة نجد أن غالب الأوامر الإدارية يقرها القاضي ويلتزم بطلبات النيابة دون تردد، وقد أجازت قوانين الاحتلال ذات الصلة للمعتقل وأيضًا للقائد العسكري ممثلاً بالنيابة العسكرية الاعتراض على قرار القاضي بتقديم استئناف إلى محكمة الاستئناف العسكرية وبعد ذلك يمكنهم التوجّه إلى محكمة العدل العليا، وتُدار مناقشات أمر الاعتقال الإداري في جلسات مغلقة يتجاوز فيها القاضي قوانين الإثبات العاديّة ويقبل البيّنة حتى دون حضور المعتقل أو وكيله، ولا يطلب القضاة الاطّلاع على المعلومات التي في حوزة مخابرات الاحتلال كما يمتنعون عن استجواب ممثلي النيابة العسكرية بخصوص المعلومات التي جرى الاعتقال على أساسها وينظرون إلى الادّعاءات المطروحة أمامهم تحت عنوان "الملف السري" على أنّها وقائع ثابتة ويقينية، وهذا تجاوز لكل القوانين والأعراف القضائية والأخلاقية والدولية.
*إن مواجهة هذا النوع من الإجرام الاحتلالي يستوجب جهوداً كبيرة ومتراكمة ومتعددة سواءً على المستوى الرسمي أو الشعبي والفصائلي والمؤسسات الحقوقية والأهم المعتقلين الإداريين أنفسهم:*
*المستوى الرسمي:* مطلوب تصعيد السياسات الفلسطينية المتبعة على المستوى الرسمي، وذلك بعقد المؤتمرات الدولية لإدانة هذا الإجراء المخالف لقواعد القانون الدولي الإنساني، ورفع تقارير للأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والاستمرار في إصدار الإحصائيات والتقارير، وحشد المناصرين والمتضامنين الدوليين، والحملات الدولية الرسمية.
كما من الواجب عدم الاكتفاء بطرح هذا الملف أمام دوائر الجهات الحقوقية واللجان في المنظمات الدولية، بل نقله إلى جهات القرار والتنفيذ السياسية والقضائية في الأمم المتحدة، مثل: محكمة الجنايات الدولية، ومجلس الأمن.
ولنجاح الخطوات السابقة يجب تشكيل فريق من العاملين في الحقل القانوني والمتخصصين، للتركيز على الاعتقال الإداري؛ وأن يتم توثيق الملفات بحالات فردية من معتقلين أطفال ومرضى ونساء وكبار السن، وفضح الإجراءات القضائية الصورية المتبعة أثناء المحاكمات العسكرية والعادية وعدم نزاهتها.
هذه التحركات حتى تكون كافية لكبح جماح السياسات الاحتلالية اتجاه تعاظم الاعتقال الإداري التعسفي؛ يجب أن لا تكون موسمية وأن تتمتع بالاستمرارية.
*المستوى الجماهيري:* من الملاحظ أن فعاليات المستوى الجماهيري تقتصر على وقفات الأسرى والاعتصامات التي لم تركز على قضية الاعتقال الإداري بشكل خاص، وإنما اعتبرته جزءًا من قضية الأسرى بشكل عام، مع فعاليات بسيطة خاصة بالاعتقال الإداري.
ويبرز تدني مستوى الفعل الشعبي والجماهيري باقتصار الفعاليات على فئة محدودة من شعبنا تتمثل بأسرى سابقين أو نشطاء يتضامنوا مع الأسرى بشكل عام وهم محدودي العدد والفئات للأسف.
الوعي الشعبي تجاه قضية الاعتقال الإداري يجب أن يكون محور مهم في مقاومة هذا الاعتقال وتوعية جماهير شعبنا بحجم ومخاطر الاعتقال الإداري حتى تتوسع قطاعات التضامن ويزداد تأثيره.
قد يكون الفعل الشعبي والجماهيري هو الأكثر تأثيراً، فالجماهير هم أداة المقاومة الأساسية والتغيير والضغط، والفعل الجماهيري الشامل والمستمر والمتصاعد ستكون نتائجه مذهلة ومؤثرة.
*الفصائل الفلسطينية:* يجب أن تطرح بقوة مسألة الاعتقال الإداري مع الوسطاء والأصدقاء وأن يكون سلاح المقاومة على الطاولة عند مناقشة هذا الملف الخطير وخصوصاً الأسرى الإداريين المضربين عن الطعام، كما يتوجب القيام بفعاليات فصائلية ممزوجة مع الفعاليات الشعبية بشكل قوي ومستمر.
*مراكز حقوق الانسان:* لم توفي هذا الملف حقه الكامل واقتصر نشاطها في الغالب على تقارير تصدرها دون تركيز على طرح هذه القضية الإنسانية على الدول المانحة والممولة لهذه المراكز والمطلوب منها تفعيل وتصدير هذا الملف لطرحه أمام المجتمع الغربي والعالمي الرسمي والشعبي الممول لمعظمها.
*المعتقلين الإداريين والتصدي للقوانين والإجراءات العسكرية في محاكم الاعتقال الإداري:*
قد يكون أهم إجراء لمكافحة ومواجهة هذا الاعتقال الإداري هو ما أعلن عنه أسرانا بمقاطعة محاكم الاحتلال الناظرة لقرارت الاعتقال الإداري وعدم الذهاب إلى المحكمة من قبل المحامي والمعتقل الإداري على حد سواء. ففي تجربة مقاطعة المحاكم العسكرية للاعتقال الإداري بين العامين 1996-1998م كانت النتائج إيجابية، وأجبرت سلطات الاحتلال على النظر بشكل جدي في ملفات المعتقلين الإداريين، الأمر الذي قلّص أولًا من أعداد المعتقلين الإداريين الجدد، وثانيًا تم الإفراج عن غالبية المعتقلين الإداريين، ولم يبقق في الاعتقال الإداري سوى أعداد قليلة جدًا.
وقد تكررت هذه المقاطعة بين العامين 2018-2019م، وكان هذا الشكل أشمل في المقاطعة، حيث شارك الجانب الرسمي والمؤسسات العاملة في هذا المجال مع المعتقلين الإداريين، الأمر الذي خلق حالة من الإرباك لدى الجهاز القضائي والأمني للاحتلال، وتم تقديم الكثير من الوعود والإغراءات للأسرى بأن جوهر الاعتقال الإداري سوف يتغير بعودتهم إلى المحاكم.
هذه الخطوة التي بدأها اليوم أكثر من 500 أسير إداري يجب أن تستمر حتى لو أجبر الأسرى على الحضور بالقوة لأنها ستشكل مجدداً تعرية حقيقية لكل الجهات الاحتلالية وخصوصاً الجهاز القضائي العادي والعسكري اللاأخلاقي.