الأحد: 19/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

"الممر الجوي لحبوب الصنوبر" يلبي الحاجة الملحة للشعب الأفغاني

نشر بتاريخ: 04/01/2022 ( آخر تحديث: 05/01/2022 الساعة: 11:33 )

الكاتب: وانغ شيدا

وانغ شيدا، نائب رئيس قسم شؤون جنوب آسيا بمعهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة

في يوم 1 نوفمبر الماضي، هبطت "طائرة خاصة" في مطار بودونغ الدولي بمدينة شانغهاي. هناك سببان لاستخدام كلمة "خاصة". السبب الأول هو أن الطائرة أقلعت من العاصمة الأفغانية كابول. ومن المعروف أن الأوضاع الأفغانية تمر بمرحلة انتقالية منذ تغير النظام في أفغانستان يوم 15 أغسطس الماضي، والتي لا يعرف العالم الخارجي كثيرا عن تفاصيلها رغم المتابعة المستمرة من قبل وسائل الإعلام الدولية. السبب الثاني هو أن الطائرة كانت تشحن 45 طنا من حبوب الصنوبر التي تتميز أفغانستان بإنتاجها، وبعد عرضها في معرض الصين الدولي للاستيراد الذي أقيم في مدينة شانغهاي، تم بيع كلها سريعا. رغم أن حب الصنوبر ليس كبيرا، إلا أنه يعكس أشياء كثيرة.

استمرار الأزمة الإنسانية في أفغانستان

شهدت الأوضاع الأفغانية تغيرات كبيرة ومتتالية في عام 2021، والتي لا تزال تتطور. كان الاقتصاد الأفغاني يعتمد منذ وقت طويل على الاستثمارات الخارجية والمساعدات الدولية وما يولّده وجود القوات الأجنبية من "اقتصاد خدمة القوات الأجنبية"، لم تشكَّل حتى الآن ديناميكية وآلية داخليتين للنمو الاقتصادي. ومع انسحاب القوات الأمريكية، توقفت المساعدات الاقتصادية والاستثمارات القادمة من الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل أساسي. علاوة على ذلك، قامت الإدارة الأمريكية في أغسطس الماضي بتجميد أصول المصرف المركزي الأفغاني بقيمة 9.5 مليار دولار أمريكي بحجة وجود أسماء القادة المتهمين لحركة طالبان في قائمة العقوبات، وقامت أيضا بمنع الحكومة الأفغانية المؤقتة بصورة مستمرة من الحصول على دعم مالي من الولايات المتحدة والمؤسسات المالية الدولية، الأمر الذي تسبب في محدودية الموارد المالية للحكومة الأفغانية المؤقتة وعجزها عن دفع رواتب الأجهزة الحكومية والقوات الأمنية، ناهيك عن استعادة النظام الاجتماعي وإعادة البناء الاقتصادي. تعاني جميع أنحاء أفغانستان بما فيها العاصمة كابول من النقص الخطير في الأغذية والارتفاع الحاد لأسعارها والتوجّه نحو انتشار مستمر للجوع وشبه الجوع، خاصة أن الحروب قد ألحقت أضرارا بإنتاج الأغذية في أفغانستان وتعرضت عمليتها الاعتيادية لاستيراد الأغذية للإعاقة بسبب نقص العملات الأجنبية وتوقف تشغيل مطار كابول في فترة من الفترات. كانت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي ترى في نهاية أكتوبر الماضي أن ما أكثر من نصف السكان في أفغانستان (22.8 مليون نسمة) ستواجههم حالة خطيرة من انعدام الأمن الغذائي اعتبارا من شهو نوفمبر. بالإضافة إلى ذلك، تواجه أفغانستان تحديات إنسانية أخرى مثل: النقص الحاد في الملابس وغيرها من اللوازم الشتوية مع قدوم فصل الشتاء القاسي، والتفشي المستمر لجائحة فيروس كورونا المستجد الذي تزيد شدته الحروب والحصار الدولي. قال ديفيد بيسلي المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي إن أفغانستان قد تمر الآن بأخطر أزمة إنسانية في العالم.

يد العون من الصين لأفغانستان في تعزيز السلام والتنمية

تضرب جذور التواصل الودي بين الشعبين الصيني والأفغاني في عمق التاريخ، ويرجع هذا التواصل الودي إلى ما قبل أكثر من 2000 سنة. إن طريق الحرير الذي مر بهضبة بامير عزز المعرفة المتبادلة بين أبناء الشعبين وأثرى حياتهم المادية والثفاقية ودفع التبادل التجاري والثقافي بين الشرق والغرب بشكل كبير.

إن الصين كجار صديق ودولة كبيرة ذات نفوذ دولي وإقليمي مهم، تتعاطف تعاطفا عميقا مع الكارثة التي أتت بها الحروب والاضطرابات الممتدة لسنوات عديدة على أفغانستان دولة وشعبا، وظلت تسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار والتنمية في أفغانستان. من ناحية، تفكر الصين في ما يشغل بال أفغانستان وتقلق ما تقلقه أفغانستان. حضر الرئيس شي جينبينغ القمة المشتركة بين قادة منظمة شانغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي بشأن أفغانستان يوم 17 سبتمبر، واقترح تقديم الدعم الإنساني والدعم لمكافحة الجائحة إلى أفغانستان في حينه لمساعدة شعبها على تجاوز صعوباته. وعدت الصين بتقديم أكثر من 200 مليون يوان من المساعدات الإنسانية العاجلة، وقد وصلت دفعات من المستلزمات الإنسانية التي قدمتها الصين إلى كابل، ستواصل الصين توفير المزيد من المساعدات المادية العاجلة إلى أفغانستان عبر المنظمات الدولية للصليب الأحمر ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها من القنوات في المستقبل فضلا عن التنسيق بين المقاطعات والمناطق المحلية في الصين. يمكن القول إن الصين كانت أول دولة وعدت بتقديم المساعدة لأفغانستان ومن أوائل الدول التي نفذت المساعدة.

من ناحية أخرى، تتبنى الصين رؤية مستقبلية وتلتزم بـ"تعليم المرء بالصيد خير من مجرد إعطائه السمك". إن مفتاح تجنب وقوع أفغانستان في الأزمة يكمن في تربية آلية النمو الاقتصادي المحلي فيها ورفع القدرة المالية للحكومة الأفغانية المؤقتة. وفي هذا السبيل، تدعم الصين بقوة جهود أفغانستان لاستكشاف إمكانياتها ودفع التنمية الاقتصادية. في أكتوبر الماضي، اتخذ الجانب الصيني إجراءات استثنائية للتعامل مع الظروف الاستثنائية بناء على طلب الحكومة الأفغانية المؤقتة، حيث نسقت بين الجهات المحلية المختصة لتجديد تصاريح الرحلات الجوية المستأجرة في أسرع وقت ممكن، مما فتح "الممر الجوي لحبوب الصنوبر" بين الصين وأفغانستان من جديد. قمت بدراسة القضايا المتعلقة بجنوب آسيا منذ فترة طويلة، كلما زرت أفغانستان وباكستان، اشتريت بعض حبوب الصنوبر وأعتقد أن ذوقها رائع جدا. ومن المتوقع أن السوق المحلية الواسعة والقوية في الصين تقدر على استيعاب الأنواع المختلفة من المنتجات الزراعية ذات الخصائص الأفغانية بما فيها حبوب الصنوبر. لغاية اليوم، قد نقلت26 طائرة مستأجرة 1500 طن من حبوب الصنوبر إلى الصين، مما وفر أكثر من 100 مليون يوان للمزارعين والتجار الأفغان. إلى جانب توسيع الواردات من أفغانستان، يحرص الجانب الصيني على البحث في إجراء التعاون في مجال إعادة الإعمار الاقتصادي بعد استتباب الاستقرار والأمن في أفغانستان، بغية دعم أفغانستان لتوظيف مزاياها الجغرافية وتعزيز التواصل والترابط وزيادة قدرتها على التنمية المستقلة.

إن ما جلبته الصين إلى أفغانستان هو الصداقة والثروة ولا السيوف والنهب سواء كان في الماضي أو في الحاضر. ولهذا السبب، لا تنظر الأوساط المختلفة في أفغانستان وشعبها إلى الصين كتهديد، بل تكن مشاعر ودية طبيعية تجاه الصين، ها هي الميزة الطبيعية لا مثيل لها في البلدان الأخرى. قد أعربت الحكومة الأفغانية المؤقتة بوضوح عن أملها في أن تساعد الصين في تطوير الاقتصاد الأفغاني. من البديهي أن المقاربات الصينية المذكورة تشكل فرقا واضحا مع ما قامت به الولايات المتحدة من صرخ بشعار "حماية حقوق الإنسان" بصوت عال في حين رفض رفع التجميد عن أصول المصرف المركزي الأفغاني وتعميق الأزمة الإنسانية في أفغانستان. على الرغم أن حبة الصنوبر صغيرة، غير أنها تحمل مشاعر ودية مخلصة وحقيقية. إن التعاون الصيني الأفغاني في كافة المجالات سيتطور بقوة وبشكل مستمر في العصر الجديد بكل التأكيد.