د. سهيل الاحمد
إن تصرفات الدولة جميعها ينبغي أن يكون الغرض منها تحصيل مصالح المجتمع وتكميلها ودرء المفاسد وتقليلها، وكذلك فإن الأصل أن تكون الوسائل والآليات المتخذة أن تحقيق المصلحة في الأمور الواقعة والمتوقعة، ولذا؛ فإن كل تصرف لم تراعِ فيه الدولة تحقيق مصلحة المجتمع ولم تتخذ الوسائل المؤدية لذلك؛ فقد وقع هذا التصرف غير منتج للأثر الذي يراد منه، وبالتالي فهو تصرف مجانب للمصلحة المرجوة من التشريع.
ومقاصد الشريعة الإسلامية من حيث الأهمية وحاجة الناس إليها، إنما هي على درجات متعددة، فبعض المصالح ضروري يتعلق بوجود الإنسان ومقومات حياته، وبعضها يأتي في الدرجة الثانية باعتباره وسيلة مكملة للمصالح الضرورية السابقة حيث تساعد الإنسان على الاستفادة من جوانب الحياة المختلفة من معاملات وتنظيم علاقات، وبعض المصالح لا تتوقف عليها الحياة، ولا ترتبط بحاجيات الإنسان، وإنما تتطلبها مكارم الأخلاق، لتأمين الرفاهية للناس وتحقيق كمالياتهم.
ومن المصالح التي ترتقي إلى الضروري من حيث الإيجاد والحفظ؛ مصلحة تحقيق السلم والأمن في المجتمعات التي تعمل على إرساء قواعد الاستقرار المجتمعي المطلوب بين خاصة الناس وعمومهم.
وبالتالي جاءت عدة قواعد شرعية لرعاية هذه المقاصد منها: قاعدة أن ولي الأمر في خدمة الرعية؛ وهذا يقتضي أن تعمل الجهات المختصة في الدولة جميعها ما يحقق حفظ أمن المجتمع واستقراره وتنظيم أمور حياته في الجوانب المتعددة وبالتالي وقايته من الأضرار الواقعة والمتوقعة، وتوفير الحماية له من الأخطار المحدقة به أو التي تهدده، ومن ذلك اتخاذ الإجراءات التشريعية والقانونية والأمنية والواقعية ونحو ذلك مما يلزم لمنع الضرر وعلاجه حال وقوعه أو توقعه. وهذا الأمر يعد من قبيل قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ فإذا كان من مقتضيات حفظ متعلقات الناس والمجتمعات وتحقق السلم المجتمعي أن تضع الجهات المختصة في الدولة معايير وإجراءات معينة وشرعية تحدد المواصفات الواجب اتباعها لتحقيق حفظ النفس والمال وجميع ضرورات الشريعة الأخرى؛ فإن اتخاذ هذا الإجراء ودعم تطبيقه يصبح واجبًا، لأن الواجب المتعلق بحفظ النفس وحماية حياة الناس ومصالح المجتمعات من الضرر والضرار لا يتم إلا به، ولذلك كان ذلك واجبًا، لأن تدخل ولي الأمر منوط بالمصلحة وهو ليس مخيراً في اختيار ما يشتهي من أمور حتى إذا كانت كلها جائزة، بل عليه أن يختار أصلحها وأنفعها وأيسرها، لأن من واجباته رعاية مصالح المجتمع والمحافظة على تنفيذ الأحكام ومراعاة التشريعات الخاصة بذلك، ولهذا كان تدخله في شئون الرعية منوط بتحقيق مصالحهم ورعاية حاجاتهم المتعددة، وإن حصل وأن أعلن عن اتخاذ إجراء مؤقت ولعذر ولأجل تحقيق مصالح العباد؛ فإن هذا الإجراء يبطل بزوال هذا العذر المؤقت للقاعدة التي تنص على أنه: "ما جاز بعذر بطل بزواله وهذا مثل ما عليه الأمر من إعلان حالة الطواريء واتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ النفس الانسانية ورعاية حقوق الناس ومتعلقات المجتمعات، فهذه الإجراءات تعد من قبيل الأحكام الاستثنائية التي جاءت مشروعيتها لعذر ولحالات خاصة تقتضي هذا الإجراء، وهذا لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولاعتبار أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحظور، وعليه فإن زوال الحاجة إلى تلك الأعمال والإجراءات توجب على الجهات المختصة وقف ذلك؛ لأن ما جاز بعذر بطل بزواله.