الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

يجب أن تتحمل أوروبا مسؤولياتها للمضي قدما في إنهاء الظلم التاريخي والاحتلال الاستعماري الإسرائيلي

نشر بتاريخ: 16/01/2022 ( آخر تحديث: 16/01/2022 الساعة: 14:56 )

الكاتب: مروان أميل طوباسي

الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي غير القانوني ، وسياسات التطهير العرقي والفصل العنصري ، أصبح يترسخ على الأرض في غياب توجيه تهم واضحة إلى إسرائيل أو المستوطنين غير الشرعيين على جرائمهم وانتهاكاتهم ، حيث بدلا من ذلك ، اصبح ينحصر دور المجتمع الدولي في استجابات محددة لاشكال الأزمة بينما يحجم عن مواجهة الجوهر والاساس الذي تقوم عليه أشكال تلك الازمة المتصاعدة يوميا.

يشكل الاعتداء الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني جزء من سياسات استعمارية ابتداءات قديما بالولايات المتحدة وبريطانيا كقوى حاضنة للاستعمار وذلك لحرمان شعبنا من حقه في تقرير المصير ، حيث إن الجرائم الإسرائيلية ، التي تُرتكب بمليون طريقة ، كل يوم ، وكل ساعة من اليوم ضد أرضنا وشعبنا والمعتقلين السياسيين ومقدساتنا ، هي العوامل الرئيسية لزعزعة الاستقرار في منطقتنا.
كما تظهر الجرائم الإسرائيلية المستمرة ازدراءها المطلق للقانون الدولي والنظام الدولي متعدد الأطراف ، حيث لا يمكن التقليل من وحشية الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي لمحاولات إخضاع الشعب الفلسطيني ، سواء كان محاصرا أو محتلاً أو منفيا أو معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية.

الآن وبعد أن تعثرت "عملية السلام المفترضة " التي كانت تحتكرها الولايات المتحدة تقريبا في أعقاب التغيرات السياسية في العالم وفشلها في اعادة إطلاق عملية سلام حقيقية وجادة وعدم قدرتها على فرض مواقف على إسرائيل وإعطاء الاولوية لقضاياها الأخرى حول العالم ، يجب على أوروبا أن تأخذ زمام المبادرة وتحاول القيام بشيء ذي مغزى للفلسطينيين وعملية السلام في المنطقة لوقف الجرائم الاسرائلية المستمرة وحماية شعبنا الفلسطيني وتمكينه من الحرية .

وإذا كانت الدول الأوروبية لا تزال تعتقد أن الخيار الدولي الذي تدعمه "حل الدولتين" لا يزال ممكناً ، فإن العديد من المبادرات المفيدة قد تكون متاحة على الفور امامها ، حيث يمكنهم دعم وتعزيز شرعية حل الدولتين الحالي من خلال الانضمام إلى 139 دولة التي اعترفت بدولة فلسطين ، كما يمكنهم أيضا مطالبة الإسرائيليين الذين يسعون للحصول على تأشيرات لزيارة البلدان الأوروبية لتقديم أدلة موثقة على أنهم ليسوا مقيمين في المستوطنات الاستعمارية في دولة فلسطين المحتلة وتشديد عقوباتها على الاستيطان .
والأكثر اهمية هو أنه يمكنهم إعادة النظر في الاتفاقات الإسرائيلية مع الاتحاد الأوروبي وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إسرائيل وتكثيفها حتى تمتثل إسرائيل للمبادئ التأسيسية للاتحاد الأوروبي والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ، وتنهي احتلالها الاستعماري الذي دام 54 عاما كما وتنهي أشكال الظلم التاريخي وتعترف بالحقوق الوطنية لاصحاب الأرض الأصليين من الفلسطينين.

أن الهدف يجب أن يتمثل في وضع حد لهذا الظلم التاريخي بدلاً من مجرد الاستمرار في فحص طبقات الألم والظلم العديدة والرثاء على المعاناة الإنسانية الهائلة والخسارة التي تسببها ، من خلال مواقف وبيانات أوروبية لفظية .

وهذا يتطلب إجراءات سياسية وقانونية ودبلوماسية عاجلة وفعالة لضمان المسائلة والمحاسبة من أجل ممارسة الضغط لوقف الجرائم الإسرائيلية ، إلى جانب العمل على إعادة إطلاق عملية سياسية جادة من خلال آلية متعددة الأطراف تتمثل بانعقاد مؤتمر سلام دولي يعتمد الشرعية الدولية وحقوقنا التاريخية كما يدعو إليه الرئيس عباس يهدف لإنهاء الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي غير القانوني المستمر بدلاً من إدارته إلى أجل غير مسمى وتحقيق الاستقلال الوطني لشعبنا فوق تراب وطنه .

ان الوضع الحالي يمثل فرصة للمجتمع الدولي لفهم الحراك الدولي القائم والاستفادة من تضامن الشعوب والجهود الدبلوماسية للدول وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان من أجل تفعيلها سندا لميثاق الأمم المتحدة .

وإذا كانت الدول الأوروبية غير مستعدة لاتخاذ مثل هذه المبادرات ، أو إذا توصلت بشكل غير معقول ، إلى أن "حل الدولتين" لم يعد ممكنا وأن القضية الوحيدة الآن هي ما إذا كان واقع الدولة الواحدة الحالي سيستمر أن يكون واقعا عنصريا استعماريا كما تريده القوة القائمة بالاحتلال ، أو انه يمكن تحويله إلى واقع ديمقراطي ، الأمر الذي يتطلب أن يفكر الاوروبين في تاريخهم ومسؤولياتهم من أجل تحديد الطريقة الأكثر فائدة للمضي قدمًدا لضمان طرق إنهاء الاحتلال الاستعماري والفصل العنصري وإنهاء تداعيات الأمر الواقع قصرا .

في أعقاب الهولوكوست الذي لم يستهدف اليهود وحدهم من قبل النازيين ، وهو أمر بغيض بالكامل ، تجاهلت الحكومات الأوروبية ، وكذلك الولايات المتحدة ، المناشدات المختلفة لمعاملة إعادة توطين اليهود المشردين كواجب والتزام العالم بأسره ورفض تخفيف القيود المفروضة على الهجرة ، مما أجبر معظم اليهود الاوروبين على السعي لبناء حياة استعمارية جديدة في فلسطين في إطار تنفيذ اتفاقيات ومؤامرات مختلفة كاتفاقية هافارا بين الحركة الصهيونية والمانيا النازية في استغلال اليهود في تنفيذ المشروع الاستعماري الصهيوني على حساب السكان الأصليين الفلسطينين ، على الرغم من أن الكثير من اليهود كانوا يفضلون الاستقرار في مكان آخر أو في بلدانهم الأوروبية الأصلية.

لسوء الحظ حتى يومنا هذا ، نلاحظ أن أوروبا لا تزال تعيش في ظل عقدة خوف من ما رسخته الحركة الصهيونية التي تمتلك مفاصل مالية عديدة في أوروبا ، في أذهان العديد من الأوروبيين ، والتي تساوي انتقاد سياسات إسرائيل بمعاداة السامية. إن العديد من الأوروبيين ، ولا سيما أولئك الذين ينتمون إلى أيديولوجية اليمين المتطرف واليمين الشعبوي والمتحالفون مع نهج الحركة الصهيونية العالمية والمحافظين الجدد والإنجيليين بالولايات المتحدة ، يستمرون في لعب الدور المطلوب منهم استمرارا لرفضهم حل المسألة اليهودية في إطار المجتمعات الأوروبية التي ابتدأت خلال الحرب العالمية الثانية أو حتى قبل ذلك.
ان الحقيقة الواضحة هي أن الصهيونية كانت ولا تزال حركة معادية للسامية تتلاعب باللاهوت اليهودي من أجل مصالحها الاستعمارية السياسية وتفترض باليهود شعباً .

فبدلاً من الاستمرار في معارضة العدالة الإنسانية والقانون الدولي من خلال الدعم المطلق لتجربة استعمارية عرقية ودينية المتمثلة بانشاء اسرائيل ، ينبغي للدول الأوروبية ، التي لم تعد معادية للسامية أن تفتح أبوابها على مصراعيها لليهود الإسرائيليين الذين استوطنوا في فلسطين والذين قد يميلون إلى بناء حياة جديدة لأنفسهم وأطفالهم من خلال العودة إلى بلدانهم الأصلية أو الهجرة إلى بلدان أخرى من اختيارهم . ولتحقيق ذلك يجب أن يقدم الاوروبين لهم حقوق إقامة فورية في أوروبا ، ومساعدة سخية لإعادة التوطين ومسار سريع للحصول على الجنسية الأوروبية.

في أرض فلسطين التاريخية التي شُردنا منها عام 1948 ومن وطننا ، والتي كانت تسمى فلسطين ، كانت الديمقراطية والمساواة في الحقوق قائمة بين سكانها في دولة واحدة هي فلسطين . أن العودة لذلك الحل كخيار لحل النزاع ، يجب أن يقترن ويضمن الحرية السياسية والمساوة الكاملة بالحقوق على أساس مبدأ حق تقرير المصير وحق العودة للاجئين الفلسطينين وفق قرار الأمم المتحدة رقم 194 ، وهو خيار قد يشكل أملاً في السلام بقدر من العدالة بدلاً من إعادة التدوير المستمر لـ "عملية سلام غير جادة" من شأنها أن تحافظ على واقع الاستعمار من خلال السياسات المستمرة لبناء وتوسيع المستوطنات والفصل العنصري من قبل النظام الإسرائيلي ، في حال فشل المجتمع الدولي في تنفيذ الخيار الآخر والمتمثل بحل الدولتين على حدود عام 1967 وضمان إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف .

في الواقع ، يجب على الدول الأوروبية الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني وتجاه القانون الدولي والاتفاقيات والمواثيق الأممية الموقعة عليها ، بما في ذلك التزاماتها تجاه ملايين اللاجئين الفلسطينيين ، والعمل على تحقيق العدالة وتامين حقوقهم الوطنية السياسية والإنسانية غير القابلة للتصرف. هذا مهم للغاية ليس فقط لفلسطين ولكن من أجل صلاحية واستمرار النظام الدولي القائم على القواعد والذي يجب أن يضمن الاستقلال الوطني الفلسطيني وفقا لمبدأ قرار الأمم المتحدة رقم 181 ، لتحقيق حل سلمي للقضية الفلسطينية يضمن إنهاء جرائم إسرائيل والاحتلال الاستعماري غير القانوني المستمر وسياسات التمييز العنصري والفوقية اليهودية .
حيث تبقى قضية فلسطين اختبارا أساسيا للالتزام الدولي بهذه المبادئ والقيم.
حيث لا يمكن تسمية حقوق الإنسان "عالمية" بينما يُستبعد الفلسطينيين منها في نفس الوقت.

لا ينبغي لإسرائيل أن تستمر في التمتع بمعاملة تفضيلية كما لو كانت "ديمقراطية ليبرالية" من قبل الاتحاد الأوروبي والقوى الغربية الأخرى في حين أن أولويات سياستها تتعلق بفرض السيادة اليهودية بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط ​​، بدلاً من ضمان المساواة الكاملة لجميع مواطنيها ، وإنهاء احتلالها الاستعماري لاراضي دولة فلسطين.

ان تاريخ العالم لا يتوقف عند نقطة معينة وخاصة على رقعة شطرنج السياسية الدولية ، فالمتغيرات تجري بسرعة والتحالفات تتغير ، كما يمكننا ملاحظة تغير طفيف في السياسة الخارجية باوساط الحزب الديمقراطي الأمريكي فيما يتعلق بالشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط ​​ومناطق مضطربة أخرى في العالم ، حيث بدأت العديد من الجماعات اليسارية في رفع صوتها في الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة و بقية العالم ، حيث لا يمكن للناس وحتى الحكومات قبول نسخة ثانية تترسخ من نظام الفصل العنصري السابق في جنوب إفريقيا.

من الضروري والأساسي في هذه اللحظة من التاريخ أن تتحد جميع القوى الديمقراطية والتقدمية في العالم لمواجهة صعود الفاشية الجديدة والعنصرية حيثما يتجلى ذلك من أجل مستقبل الإنسانية والأجيال القادمة والسلم الدولي.

واسمحوا لي أن أذكركم ، أنه لا يوجد نظام احتلال عنصري يمكن أن يكون ديمقراطيا كما يحلوا لبعض السياسيين الأوروبيين أن يشيرون إلى إسرائيل به كواحة للديمقراطية .
لا يمكن لأي شعب أن يكون حراً بقدر ما يضطهد شعباً آخر وطالما أن ذلك الشعب يدافع عن احتلاله وعن استمرار التمييز العنصري والاستعمار.