الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مغامرة الاندفاع نحو "مركزيّ الموالاة"

نشر بتاريخ: 25/01/2022 ( آخر تحديث: 25/01/2022 الساعة: 09:53 )

الكاتب: جمال زقوت

أثارت دعوة القيادة الفلسطينية لاجتماع المجلس المركزي جدلًا ساخنًا في الساحة الفلسطينية، الأمر الذي بات يجعل من المؤسسات القيادة للمنظمة، بعد أن جسّدت محطات لمعالجة الخلافات والنهوض بمبدأ وقانون الوحدة الوطنية، عنوان إضافي لمزيد من الانقسامات السياسية بديلًا لدورها الوطني الجامع باعتبارها الخيمة التي من المفترض أن تضم كافة الأطراف الفلسطينية على قاعدة الائتلاف الوطني العريض الذي تتطلبه مرحلة التحرر الوطني.

وقد زاد من تعقيدات ومخاطر هذا الجدل أن الاندفاع نحو هذه الدعوة قد تسارع في وقت تم فيه سحب التداول لما كان يسمى "مهلة السنة"، واعتبار المركزي سيد نفسه، والتي تزامنت أيضًا مع اللقاء الذي أثار جدلًا غير مسبوق مع وزير الحرب الاسرائيلي "غانتس"، سواء من حيث الشكل ومكان اللقاء أو مضمونه وما تسرب عنه.

في المواقف المعلنة يُظهر الجميع، بما في ذلك طرفي الانقسام المهيمنين على المشهد العام، حرصًا كلاميًا على إنهاء الانقسام، خلافًا لما يمارسانه على الأرض، وهذه المرة تُحَّث الخطى نحو عقد المركزي دون رؤية سياسية محددة حول متطلبات مواجهة مرحلة الإفلات الاسرائيلي المطلق من استحقاقات ما كان يسمى "بعملية سياسية"، أو ما كان يُطلق عليه "حل الدولتين"، وبات الهدف الوحيد الذي تلهث خلفه القيادة الرسمية هو مجرد لقاء يحرص الجانب الاسرائيلي، بعد انفضاضه، على التأكيد أنه لم يبحث أية قضايا سياسية، وأنه اقتصر على ما هو لمصلحة الأمن الاسرائيلي عبر ما يسمى "التنسيق الأمني"، والذي بات أيضًا عملًا يقتصر على حماية الأمن الاسرائيلي دون اكتراث لأمن الفلسطينيين الذين يتعرضون للقتل وهدم منازلهم، ولشتى أنواع الاعتداءات على يد إرهاب المستوطنين.

حوار الجزائر... عودٌ على بدء

كما وتجري هذه الدعوة في سباق محموم مع الزمن، دون إعطاء أي فرصة لما يسمى "حوارات الجزائر"، والتي للأسف يذهب إليها طرفيّ الانقسام أساسًا، ليس للبحث عن القواسم المشتركة التي تفرضها خطورة اللحظة السياسية، بقدر ما هي استمرار لذات النهج، في الإصرار على البحث عن نقاط تمكّن من تحميل الطرف الآخر مسؤولية الفشل، وهذه المرة في الجزائر، التي يبدو أنها الأخيرة التي ما زالت تراهن على أن القيادات الفلسطينية ربما تعود لرشدها، وما زالت القضية الفلسطينية تحتل مكانًا متقدمًا لدى قيادتها والأولوية المطلقة لدى شعب المليون شهيد، وبهذا المعنى فربما أن الجزائر تشكل الجدار العربي الأخير الذي إذا ما تصدّع، فستكون القضية الفلسطينية مكشوفة تمامًا أمام الأطماع والمخططات الاسرائيلية.
أمام ذلك كله؛ يبرز سؤال جوهري؛ إذا كان عقد المجلس المركزي ليس محطة لتتويج جهود استعادة الوحدة، أو فرصة للحوار إزاء سبل الخروج من عنق زجاجة الأزمة المركّبة، الوطنية والسياسية، فماذا يُخفي القائمون لاستعجال انعقاده من أهداف؟! يبدو أن هذا ما تؤشر إليه تسريبات اجتماع مركزية فتح، واستكمال ترتيبات تقسيم "الكعكة" لإمساك الخلية الموالية بكل تلابيب المشهد العام، حد المغامرة هذه المرة بمكانة منظمة التحرير ذاتها، والتي انحدرت وتهاوت في السنوات الأخيرة، حيث لم يتبقَ منها سوى شرعية الاعتراف الذهبي "بحق اسرائيل في الوجود بأمن وسلام"، كما وثّقتها رسائل الاعتراف المتبادلة، وهو ما قد يفتح أبواب الانفلات للصراع على السلطة، سيّما في ظل الإصرار على الفك والتركيب، والتغييب المطلق لخيار الانتخابات الشاملة عبر صندوق الاقتراع، وما يتطلبه من خارطة طريق توافقية باتت معروفة ويستمر الإصرار على إدارة الظهر لها.

فك وتركيب مؤسسات المنظمة

يبدو أن ما يجري من فكّ وتركيب للمنظمة ومؤسساتها، من ائتلاف جبهوي عريض لقيادة النضال الوطني التحرري إلى مجرد حالة تضم مجموعة من الموالين لسياسات يعلن حتى أصحابها أنها فشلت، بل ماتت وشبعت موتاً، وبات عودة الروح لجثتها أقصى طموح أصحابها؛ وقد كان ذلك واضحًا للعيان عندما تم تحويل "المركزي" من هيئة وسيطة لمتابعة مدى التزام اللجنة التنفيذية بتنفيذ قرارات المجلس الوطني، إلى "هيئة" بصلاحيات الوطني، وهذا ما تم تمريره بخفة استهدفت تقاليد عمل المنظمة واللوائح التي تنظمه، رغم اعتراض مجموعة من أعضاء الوطني التي لم يلتفت لها أحد في بحر تعويم المجلس بهدف وأده. فإذا كان من حق المركزي انتخاب تنفيذية جديدة، أو حتى مجرد أعضاء جدد من المركزي، فماذا بشأن الحق المتساوي لأعضاء الوطني الآخرين في الترشُّح للتنفيذية، الأمر ذاته بالنسبة لانتخاب رئاسة للوطني من المركزي، سيما من المستقلين والذين سبق أن كانت رئاسة المجلس الوطني تقتصر على أحدهم لمزيد من الضمان بأن برلمان المنظمة هو بيت الجميع، وليس حكرًا على تنظيم مهما علا شأنه! فهذه مخالفات تتناقض مع النظام الأساسي لمنظمة التحرير، وقد كان واضحًا أن هذا يعني إلغاء المجلس الوطني، تمهيدًا للانقلاب الشامل على المنظمة. ولذلك جرى إعادة تركيب المركزي الذي كان دومًا أغلبيته من شخصيات وطنية مستقلة مركزية وممثلين عن القوى والاتحادات الشعبية، وتم إغراقه بعناصر جديدة رصيدها الوحيد هو "الموالاة"؛ بل فإن بعضهم تم إدخاله للوطني في جلسته الأخيرة لهذا الغرض. يبدو أن المركزي القادم يعقد لاستكمال هذا الانقلاب على تاريخ المنظمة وطابعها الائتلافي، وربما بما يعرضها لخطر التشظّي، ليفتح باب تكريس الانقسام على مصراعيه، بما في ذلك استكمال الوجه الآخر لعملية شطب المنظمة باندفاع الآخرين نحو عقد مجلس وطني بديل أو "إنقاذي"، سيّما أن واقع ومكانة ودور السلطة الوطنية يتدهور يوميًا نحو الانهيار، ليبدأ فصل جديد للصراع على الشرعية مضمونه الحقيقي "الوكالة الأمنية القادمة لمن؟!".

سبل استعادة مضمون المنظمة الكفاحي وطابعها الائتلافي

مغامرة الاندفاع نحو هذه الحالة الأخطر على النضال الوطني وإنجازاتها، تتطلب أقصى درجات الوحدة والتلاقي من عشرات آلاف الوطنين، وفي مقدمتهم القابضين على الجمر من المناضلين أبناء فصائل المنظمة وفق مقدمتهم كوادر فتح، والقيادات المجتمعية المناضلة، الشبابية منها والنسائية، ومعهم الآلاف من أُسَر الشهداء والأسرى الذين ضحّوا بحياتهم وحريتهم الشخصية من أجل حرية الوطن وكل القطاعات الشعبية الغيورة على مصالح الوطن والشعب، للقيام بأوسع تحركات شعبية هنا في فلسطين، وفي بلدان اللجوء والشتات، لمنع تمرير هذا الخطر، والاستمرار في الاحتجاجات الشعبية التي تستدعيها المسؤولية الوطنية، ويفرضها، بل ويكفلها، الحرص الوطني على قانون الوحدة والمصير الموحد، وليس فقط الحق في التعبير والتنظيم، حتى يتم استعادة منظمة التحرير كقائدة للنضال الوطني التحريري، وممثلاً شرعيًا حقيقيًا لإرادة الوحدة والديمقراطية واستراتيجية الصمود بكل متطلباتها.

إن معالجة الأزمة الوطنية يتطلب الإقرار بالأسباب السياسية والتنظيمية والإدارية التي ولّدتها، سيّما ما له علاقة بتبديد الموارد واستشراء الفساد وإقصاء المناضلين والكفاءات على حد سواء؛ فالتفرد والإقصاء والرغبة الدائمة في المحاصصات الفئوية هي التي أوصلتنا لما نحن عليه، وهي التي مكّنت حكومات الاحتلال من تحقيق اختراقات كارثية نحو هدفها الاستراتيجي لتصفية حقوق شعبنا. وهذا ما يتطلب المكاشفة به، والاعتذار لشعبنا عنه، كمدخل لا يمكن القفز عنه لاستعادة الثقة، ومن هنا نبدأ.