الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

عن الهولوكست ومعاداة السامية والحركة الصهيونية.

نشر بتاريخ: 25/01/2022 ( آخر تحديث: 25/01/2022 الساعة: 11:08 )

الكاتب: مروان اميل طوباسي

معاداة السامية هي تعصب ضد جميع الساميين (العرب المسيحيين والمسلمين في الشرق الأوسط والكنعانيين وبعض الإثيوبيين والآراميين واليهود). تعارض سياسات معاداة الصهيونية الأيديولوجية السياسية للصهيونية ، وهي حركة تهدف في جميع مظاهرها السياسية لإعطاء الأولوية لحقوق اليهود في وطن على حساب الفلسطينيين الذين يعيشون في أرضهم ووطنهم منذ العصور القديمة ، وهي حركة ، أي الصهيونية، اعتبرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في مساواة العنصرية عام ١٩٧٥ ، بغض النظر عن ما جرى لاحقا لإلغاء هذا القرار الأممي الهام عام ١٩٩١ نتيجة المتغيرات السياسية بالنظام العالمي .

ان التعريفات التي قدمها التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) تشير بوضوح بأن أي استهداف لإسرائيل أو "الادعاء بأن وجود دولة إسرائيل هو مسعى عنصري" يمكن أن يكون بحد ذاته عنصريا ومعادٍ للسامية وأن "تطبيق معايير مزدوجة من خلال مطالبة إسرائيل بمسؤولية سلوك غير متوقع من أي دولة ديمقراطية أخرى " هو أيضا معادٍ للسامية.

إن اعتماد مثل هذه التعريفات نيابة عن العديد من البلدان حول العالم بما في ذلك بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يأتي في تناقض تام مع القيم الديمقراطية وحرية التعبير وينتهك جميع الحريات المدنية وكذلك مبادئ نشؤ الاتحاد الأوروبي ، حيث أصبح هذا أكثر وضوحا قبل سنوات قليلة ، عندما أقر البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) قانونا يُعرف إسرائيل على أنها دولة الشعب اليهودي ، القانون الذي ينص على أن جميع اليهود ، حتى أولئك الذين لا علاقة لهم بإسرائيل يتمتعون بالحق في تقرير المصير بالوقت الذي يُحرم منه جميع الفلسطينيين ، بما في ذلك 20٪ من سكان إسرائيل من الفلسطينيين والمواطنين رسمياً في إسرائيل.

بعبارة أخرى ، يُنشئ هذا القانون العنصري نظامين في إسرائيل - وكذلك في اراضي دولة فلسطين المحتلة - ما يعتمد اساساً نظام التصنيف الديني العنصري الذي يمنح جميع اليهود حقوقا أعلى من جميع الفلسطينيين غير اليهود ، وهو ما يؤكد مسعى الحركة الصهيونية لتثبيت الفوقية اليهودية في اراضي فلسطين التاريخية ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط ، وهو ما أكده بوضوح انذاك بيان نتنياهو عندما كان رئيسا للوزراء الذي يلخص ما ورد بالقانون المذكور "إسرائيل ليست دولة لجميع مواطنيها ، إسرائيل هي الدولة القومية لليهود فقط".

لم نشهد قط في التاريخ السياسي الحديث مثل هذه المحاولة لتغيير وتشويه معنى الكلمات لخدمة نوايا قوة محتلة واستعمارية. حيث ان اعتماد تعريف عمل التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) يمنح الإسرائيليين حصانة قانونية مطلقة لمواصلة انتهاكاتهم للقانون الدولي والإنساني ، متجاهلاً هذا التعريف تماما جميع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وميثاق الأمم المتحدة ، كذلك مبادى حرية التعبير عن الرأي ، وهو ما عمل العنصريين ترامب وكوشنير سابقا على الدفع باتجاه صياغته واقراره قبل أكثر من عامين .

إن انتقاد السياسة الإسرائيلية المتمثلة بالإرهاب والتطهير العرقي والقتل والتهجير والاعتقالات الجماعية والفصل العنصري ، والتي تأتي ليس فقط منا نحن الفلسطينين وانما ايضا من قبل جماعات اسرائيلية ويهودية ومنظمات انسانية وحقوقية حول العالم والعديد من القوى الديمقراطية ، لا تشكل هجوما على اليهودية - دين نحترمه مثل أي دين آخر ولا يمكن اعتباره عملًا عنصريا - لأننا بالمثل ندين داعش وقوى الإسلام السياسي المتطرفة والقوى السياسية اليمينية المتطرفة والشعبوية الأخرى في أوروبا التي أصبحت تتحدث اليوم عن مسيحية أوروبية ، في آليات تعاملها مع القضايا العالمية الناشئة .

إن الرفض الفلسطيني للصهيونية ليس مسألة عداء عرقي أو ديني أو اجتماعي لليهود ، بل هو رفض للفكرة الاساسية الاستعمارية للنظام الإسرائيلي المرتكز على الفكر الصهيوني العنصري .

أن العنصرية أو التمييز أو الكراهية أو العنف أو التخويف التي تستهدف مجموعة معينة من الناس بسبب جنسيتهم أو عرقهم أو دينهم ، بما في ذلك معاداة السامية ، تمثل تهديدًا متزايدا وخطيرا للمجتمع الدولي ولمبادئ الديمقراطية وهو أمر يجب التعامل معه ومكافحته ، إلى جانب مكافحة أشكال الاستعمار والاستيطان واستغلال الشعوب أينما كان .

أن ما لفت انتباهي هو ما صدر قبل يومين عن مكتب اعلامي حكومي إسرائيلي الذي ادعى بان انتشار فيروس الكورونا قد قلل من الحديث والاهتمام بموضوع الهولوكست ، وما صدر في جريدة الجيروساليم بوست بتاريخ ٢١ كانون الثاني ٢٠٢٢ مع اقتراب احيائهم لذكرى الهولوكوست بعد أيام ، حول الادعاء بزيادة أعمال التخريب خلال العام الماضي للمقابر والكُنس اليهودية في اليونان وفرنسا ودول أخرى كدليل حسب ادعائهم بتنامي مظاهر معادة السامية ، فقد تجاهل هذا التقرير عمدا اعمال تخريب ضد أماكن العبادة المسيحية والإسلامية من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة الإسرائيلية في فلسطين وخارجها وتجاهل سياسات الاحتلال الاستيطاني وبشاعته ، كما وارتكز على الادعاء الصهيوني بأن جرائم النازية قد استهدفت اليهود فقط دون غيرهم ،رغم ادانتنا لهذه الجرائم ضد اي كان ، وهو ادعاء تضحده وقائع الأحداث السياسية التي جرت خلال الحرب العالمية الثانية من انتصار الجيش الأحمر وبطولات حركات المقاومة في أوروبا ، وسقوط ضحايا بعشرات الملايين من البشر الذين استهدفهم الوحش النازي من غير اليهود في أوروبا ، ٢٧ مليون من الاتحاد السوفيتي السابق لوحده وحوالي نصف مليون من اليونانين غير اليهود من خلال مجازر جماعية ارتكبت في مدن وقرى عدة كنت أشارك في أحياء ذكراها الأليمة ، وهو أمر يتماثل مع المجازر التي ارتكبتها عصابات الحركة الصهيونية منذ النكبة بحق شعبنا . هذا الأمر يمثل توجه مستمر ومتزايد للحركة الصهيونية حول العالم يعتمد اولاً ، تزييف وقائع التاريخ وتجاهل الحديث عن المؤامرات الصهيونية النازية التي رافقت التعاطي مع المسألة اليهودية في أوروبا بهدف تسويق الفكرة المزعومة عن " الشعب اليهودي " بصبغتها القومية الدينية لخلق "الوطن القومي" لهم ، وثانيا من أجل استمرار تسويق فكرة اضطهاد اليهود دون الديانات الأخرى وإبقاء اليهود ضحية مستدامة أمام العالم لحصد التعاطف السياسي مع دولة الاحتلال الذي ترغب به الحركة الصهيونية على حساب استمرار اضطهاد شعبنا الفلسطيني وحقوقه التاريخية السياسية .

أن الخلط بين معاداة السامية من جهة ومعارضة وانتقاد السياسات الإسرائيلية العنصرية والتضامن مع شعبنا الفلسطيني من جهة أخرى هو خلط فاضح ومقصود تقوم به المنظمات الصهيونية بهدف الترهيب والتخويف لكل من يتعاطف مع شعبنا الفلسطيني (سياسيون ونشطاء وفنانون ومنظمات وحركات إنسانية بما في ذلك المنظمات اليهودية المعادية للصهيونية ) .

أن المطلوب من هولاء الاصدقاء والذين يدافعون عن قيم ومبادئ إنسانية وديمقراطية أن يمنعوا إقرار ما جاء في وثيقة تعريفات التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكست بالبرلمانات الأوروبية، وأن لا يعتذروا عن تضامنهم ومواقفهم الأساسية من حيث المبدأ مع قضايا حرية شعبنا كما تطالبهم الحركة الصهيونية ومن يقف معها دفاعا عن تعريفات التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكست .

إن الدفاع عن حقوق شعبنا الوطنية الأساسية في العدل والحرية والسلام وتقرير المصير ، ومطالبة قوى الحرية والسلام بالعالم بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية في إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف وضرورة محاسبة إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال على استمرار جرائمها ، ليس عملا يكتسب فعل معادي للسامية. إن الدعوة إلى السلام العادل والدائم وإنهاء الاحتلال ليس معاديا للسامية ، بل هو جزء من التزاماتنا والتزام القوى الديمقراطية حول العالم تجاه قضايا السلم والأمن الدوليين وميثاق الأمم المتحدة ومن أجل مستقبل أفضل لهذا العالم الذي تسعى منظمة التحرير الفلسطينية وحركتنا الوطنية إلى تحقيقه مع اصدقاؤنا حول العالم في مواجهة سياسات الغطرسة والهيمنة الاستعمارية والتخلص من الاحتلال الاستعماري .

إن انتقاد أو معارضة دولة استعمارية استيطانية تقوم بنزع ملكية الفلسطينيين وقمعهم بكل الطرق واخضاعهم لهولوكست مستمر منذ اكثر من سبعة عقود في أراضيهم ليس عملا معاديا للسامية ، بل أن معاداة السامية هو ما يتمثل بهذه السياسات والجرائم من جانب الحركة الصهيونية .

أن الهدف الكامل من محاولة مساواة معاداة الصهيونية بمعاداة السامية الذي يسعى التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكست باشاعته ، هو جعل وجودنا نحن الفلسطينيين فوق تراب وطننا في حد ذاته معادٍ للسامية وفق مخططاتهم .