السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الثلج يأتي من النافذة

نشر بتاريخ: 26/01/2022 ( آخر تحديث: 26/01/2022 الساعة: 14:40 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

تعتبر رواية "الثلج يأتي من النافذة " من روائع الاديب العربي السوري التقدمي حنا مينا، ولكنني قرأتها منذ فترة طويلة لدرجة نسيت تفاصيلها، لكنني اتذكر ان حنا مينا نجح في سبر اغوارنا حين كنا في مقتبل العمر وعرف كيف يخاطب عقولنا وضمائرنا وقلوبنا وصولا الى نتيجة واحدة ، نتيجة وجدتها في جميع رواياته الشهيرة ( نهاية رجل شجاع - رقصة الخنجر - وحتى الأبنوس البيضاء ). النتيجة هي ان الناس نوعين : نوع قلبه ابيض ونوع قلبه أسود .

واصحاب القلوب البيضاء قد يملؤون القارة الافريقية والشرق وحتى واشنطن وجبال الاورال والهند والسند، كما ان اصحاب القلوب السوداء قد يملؤون البلاد الشقراء، وكل مكان .

واليوم أشعر من كل قلبي وعقلي ان التصنيف القديم للناس لم يعد مجديا، وكما قال حنا مينا فان جميع الناس مناضلين واحرار واشراف قبل ان يخوضوا التجربة ، ولكن بعد خوض التجارب وقياس مدى العذابات والاغراءات، حينها فقط تعرف من هو صاحب القلب الابيض ومن هو صاحب القلب الاسود .

لم يعد تصنيف تقدمي ورجعي مسارا واضحا ، كما لم يعد مقياس يسار ويمين واضحا، فهناك رجال عشائر اكثر تقدمية من يساريين تخرجوا من جامعات الاتحاد السوفيتي، وهناك اغنياء لديهم طيبة قلب ورحمة على الفقراء اكثر بكثير من فقراء منحطّين لا هم لهم سوى نشر الاذى والتخريب .

في جنوب افريقيا ، وامام نعش المناضل نلسون مانديلا، راقبنا القادة والزعماء جميعا، وهم يتمنون ان يكونوا مثله، البعض منهم استلهم التجربة والتسامح المبني على الايمان والقانعة وليس على الضعف والاستكانة . والبعض كان يحسد مانديلا حتى وهو ميت ، والبعض كان جاهلا لا يفهم لماذا مانديلا مناضل كبير ، والبعض جاء فعلا ليتعلم ... حتى ان الرئيس الامريكي اعترف بلسانه ان مانديلا نجح في تحرير روحه، وتحرير السجانين من قلوبهم السوداء، وحرر شعبه وحرّر القارة وحرّر البؤساء .

لا تنظروا الى وجه المرء وأقواله وادعاءاته وامواله وحسب ، بل انظروا الى روحه .

كان الزعيم عرفات يتحدث في كل مناسبة عن الثلوج بكل فخر . ويقول لو تعرفون عن بطولات الفدائيين في معارك جبل الشيخ . لدرجة كان يتمنى فيها الثلوج حتى ننتصر .

تاريخيا يقلق الحكم العسكري للاحتلال من الثلوج ، ويستنفر جميع قواته ويعزز الحراسة على الطرقات وحول المعسكرات لأنه مرتبك وغير متصل بالأرض . وعلى العكس تماما يهوى الفلسطينيون الفقراء الثلوج ، لأنها تأتي في سلة واحدة مع عدة خيارات ( ثلوج – عطلة مدارس – عطلة موظفين – مياه وفيرة تسد الحاجة للزراعة – وفرصة عابرة للفرح ) .
قديما لم تكن النوافذ من زجاج وكان عليك ان تفتح الباب لتشاهد هطول الثلج .. اما هذه الأيام فيمكن مشاهدتها من النافذة .
نشرت من قبل عام 2013