الكاتب: السفير حكمت عجوري
لا يوجد كلام لائق للرد على طلب سلطة الرئيس بايدن المستفز جدا للسلطة الفلسطينية بوقف دفع الرواتب للاسرى الفلسطينيين الذين يقبعون في غياهب السجون التي اقامها الغزاة الصهاينة الذين جاءوا الى فلسطين من كل اصقاع الارض تحت ستار اللجوء ثم استوطنوها وبنوا كيانهم الصهيوني العنصري على الارض الفلسطينية التي استولوا عليها بقوة السلاح وقتلوا وهجروا اهلها الشرعيين من الفلسطينيين بعد ان عاشوا عليها ومنذ الاف السنين.
هذه الحقائق يعرفها كل الفلسطينيين وبعضهم ما زال شاهد عليها وهي محفوظة ايضا لمن يريد ان ياخذ درسا في تاريخ الاجرام الصهيوني في ارشيفات دولة العصابات التي ارتكبتها .
من هذه الحقائق هو ما تم نشره مؤخرا في صحيفة هارتس الاسرائيلية حول القبر الجماعي الذي بنى الصهاينة فوقه ساحة انتظار للسيارات في "شاطيء دبور" في هذا القبر دفنت العصابات الصهيونية 200 فلسطيني بعد ان اعدمتهم جماعيا في ليلة 22-23 مايو 1948 فيما يعرف بمجزرة الطنطورة وذلك بعد ان استسلمت هذه القرية لهذه العصابات كما واضافت الصحيفة بان هناك فيلم وثائقي للمخرج الون شوارتز سوف يعرض عبر الانترنت وننصح ادارة الرئيس بايدن بمشاهدته لانه يتضمن شهادات من الذين شاركوا في ارتكاب تلك المجزرة التي هي واحدة من سبعين مجزرة اخرى ارتكبتها هذه العصابات الصهيونية ابان حرب النكبة من اجل اقامة كيانهم الصهيوني وهو ما يعرف اليوم باسرائيل .
ما ذكرناه هو مجرد توضيح وهو ما يفسر بان اقل ما يوصف به الطلب الامريكي بأنه غير اخلاقي ويشجعنا على القول بان الطلب في حد ذاته ينم عن وحدة حال بين الطرفين الامريكي والاسرائيلي من حيث ان امريكا قامت على انقاض عشرات الملايين من اهلها الاصليين من الهنود الحمر كما هو حال دولة الاحتلال التي هي ايضا قامت على انقاض السكان الاصليين من الفلسطينيين.
آخذين بالاعتبار بان وحدة الحال هذه لا تظهر دائما بسبب ان ما حدث في امريكا صار شيء من الماضي ولكن الحال في اسرائيل القوة القائمة في الاحتلال هوماضي وحاضر لان اسرائيل لم تتوقف يوما ومنذ قيامها على الاستمرار في ممارسة ما قامت عليه وهو التطهير العرقي للسكان الاصليين وهو ما نشاهده كل يوم وتحديدا في القدس الشرقية حيث لم يمر سوى بضعة ايام على الجريمة الصهيونية البشعة بحق عائلة الصالحية المقدسية وهو ما حدث ايضا في غزة حيث تسببت الاعتداءات الاسرائيلية بشطب عائلات باكملها من السجل المدني .
.طبعا عندما نتكلم بهذه العدائية التي هي ليست من طبائع الفلسطينيين لا بد وان نوضح بانها مجرد ردة فعل انسانية لطلب عدائي خالي من المشاعر الانسانية اذ كيف يعقل ان تطالبنا الادارة الامريكية بتجويع من قايضوا حريتهم مقابل حرية شعبهم وكرامته وهم اسرانا الذين يعانون في كل يوم اشد المعاناة بعضهم لدرجة الموت في سجون المجرم الحقيقي الذي ارتكب المجازر بحق ابناء و اباء واجداد كل الفلسطينيين بمن فيهم اسرانا البواسل وبدون اي محاسبة من اي كان.
ما فعله اسرانا الابطال ازاء كل ذلك هو وقوفهم في وجه هذا المحتل الصهيوني المجرم لردعه. وشق ممر نحو تحقيق الحلم الفسطيني تماما كما فعل كل المحاربين من اجل الحرية في كل بقاع الارض وهو ما اقرته لهم الشرعية الدولية في مقاومة المحتل وذلك بعد ان سدت اسرائيل بل ودمرت كل الطرق الاخرى وعلى راسها التفاوض..
وعليه فاننا نقول لسلطة الرئيس بايدن ولكل من يوافقها في الطلب غير الاخلاقي ان هؤلاء الاسرى هم شهدائنا الاحياء وهم تيجان على رؤوس كل الفلسطينيين واعنقد ان الفلسطيني الذي يؤمن بغير ذلك ما زال لم يلد وفي اعتقادي ان الرئبيس الفلسطيني اسمع العالم عندما قال انه لو لم يبق لدينا سوى قرش واحد فسوف يكون من نصيب هؤلاء الابطال.
عندما استجابت القيادة الفلسطينية لطبات الادارة الامريكية في اواخر ثمانينات القرن الماضي بنبذ العنف ومكافحة الارهاب وتغيير المواثيق التي تؤكد على الالتزام بذلك فعلت القيادة كل ذلك على امل ان تتمكن امريكا يصفتها شريان حياة اسرائيل ان تعمل في المقابل على لجم اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال ومنعها من ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني تحت احتلالها او على الاقل وقف نشاطها الاستيطاني غير الشرعي الا انه وعلى العكس من كل ذلك وعلى مرأى ومسمع من امريكا وكل العالم تمادت اسرائيل بجرائمها بحق الفلسطينيين وضاعفت من نشاطها الاستيطاني كما تنصلت اسرائيل ايضا من كل اتفاقياتها مع الفلسطينيين التي كان البيت الابيض شاهدا عليها ومع ذلك لم يحصل بالمقابل ازاء كل ذلك اي ردة فعل ذات معنى من قبل امريكا وعلى مدار اكثر من ثلاثين سنة وتحديدا منذ ان تبنت امريكا مشروع الار ض مقابل السلام في مؤتمر مدريد سنة 1991، والانكى من كل هذا كله هو ما فعله سلف الرئيس بايدن ، المعتوه المدعو ترمب الذي اغلق السفارة الفلسطينية في واشنطن وحاول اغتيال الانروا بتجويعها كونها شاهد دولي على جرائم اسرائيل في حرب النكبة وفوق كل ذلك قدم القدس هدية لاسرائيل وبتحد صارخ للقانون الدولي وذلك بالرغم من ان كل ما في القدس هو شاهد على فلسطينيتها من كنائس ومساجد وحجارة وشوارع وكلها تخلوا من اي اثر لغير الفلسطينيين من المسيحيين والمسلمين.
انا شخصييا تفائلت كثيرا بنجاح الرئيس بايدن على حساب القاصر عقليا ترمب لاني استشعرت الصدق في وعوده الانتخابية اضافة الى انه صاحب تجربة مريرة مع كذب وخداع حكام اسرائيل وعلى راسهم النتن ياهو وبينيت الذي اعلن للملأ بانه لن يطبق اتفاق اوسلو ولن يفاوض ولن يكون هناك دولة فلسطينية وهو ما يجعل من امريكا المسؤول الاول عن كل ما يحصل للفسطينيين بعد ان اوفوا بكل التزاماتهم وهو ما حدى باسرانا البواسل ازاء كل ذلك ان يعيدوا توجيه بوصلة تحرير الارض واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس في الاتجاه الذي يجب ان تكون عليه .
للاسف نحن لا نملك ان نطالب الرئيس بايدن بتنفيذ وعوده الانتخابية كوننا لسنا من الناخبين وتحديدا اصلاح ما افسده سلفه ترمب الذي اطاح كثيرا بهيبة وسمعة امريكا في العالم بعد ان جير كل امكانيات هذه الدولة العظمى لخدمة كيان عنصري مارق ولكننا نملك ان نطالب الرئيس بايدن بتطبيق رؤيته التي اعلن عنها كحل للصراع الاسرائيلي الفلسطيني وهي حل الدولتين الذي لم تتوقف اسرائيل يوما عن تدمير اي امكانية لتحقيقه بتحديها الصارخ للقانون الدولي وضربها بعرض الحائط لكل ما صدر من قرارات ذات صلة عن الشرعية الدولية ممثلة بمنظمة الامم المتحدة..
ان تطبيق رؤية الرئيس بايدن هو الرد الاخلاقي المطلوب من الرئيس الامريكي تجاه الشعب الفلسطيني بعد ان خذلت كل الادارات الامريكية هذا الشعب وعلى مدار اكثر من ثلاثين سنة بتحيزها لكيان عنصري كل ممارساته تتنافى حتى مع الدستور الامريكي باعتبار ان ميثاق الامم المتحدة هو نسخة مكثفة عنه .