الكاتب: شفيق التلولي
يأتي انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني في ظل تنكر البعض لأهميته وضرورته ممن استمرأوا الرفض وإطلاق الأحكام المسبقة على مدخلاته ومخرجاته دون النظر لما يمكن أن تشكله نتائجه وقراراته من سبل المواجهة وتحديد العلاقة مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي التي تدير الظهر للحقوق الفلسطينية ولفرص الحل المتاحة، وتمعن في سياسة الضم والحصار ومصادرة الأراضي والاستيطان ضاربة بعرض الحائط مشروع حل الدولتين المفترض، وبذلك تنقض على العملية السياسية ومسار تحقيق السلام العادل والشامل.
لست أدري ما الذي يمكن أن تحققه تلك الفصائل التي تنادي بعدم عقد المجلس المركزي غير المزيد من تعزيز الانقسام من خلال مقاطعته، وطرح بدائل أخرى من شأنها الالتفاف عنه كمؤسسة من مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وكمحطة فاعلة كان قد أعطاها المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الأخيرة الحق في التوقف عندها واتخاذ ما يناسب من قرارات على المستوى الداخلي والخارجي والتوافق على آليات المواجهة الفاعلة ولجم تغول حكومة الاحتلال الإسرائيلي المنفلتة من كل عقال؟!
من الممكن أن تستغل الفصائل المتغيبة حتى اللحظة هذا المجلس ليكون بمثابة فرصة تاريخية لإنهاء الانقسام، وممر آمن ومهم لتحقيق الوحدة الوطنية والخروج من ذلك النفق الطويل والمظلم والتحرر من آتون الفرقة التي تعود بنا من خلال هذا الرفض إلى ذات الدائرة المفرغة التي ندور في فلكها بل تعد بفعل الانقسام الوصفة السحرية لاستمرار الاحتلال وتسمينه وتفرده في كل من غزة والضفة الجناحين المنقسمين سياسيا وجغرافيا، وتحاول إشغال كل منهما في قضايا معيشية كضرورة وفق نظرية إبقاء الأنف فوق سطح الماء، عوضا عن المشروع الوطني الفلسطيني الذي تنادي منظمة التحرير الفلسطينية وسلطتها الوطنية بتحقيقه، بل وتطرق قيادتها كل الأبواب من أجل ذلك.
أليست منظمة التحرير الفلسطينية إطارا وطنيا توافقت عليه كل الفصائل الفلسطينية منذ أن انطلقت جولات الحوار الوطنية في القاهرة حتى قبيل أن يتفشى الانقسام إثر الاقتتال المؤسف الذي أدى إلى وقوع الانقلاب وما أنتجه من انقسام ما زال يتمطى ويسترخي على حساب المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني؟! لماذا تحاول الفصائل الرافضة لسبل تصليب المنظمة القفز عن مؤسساتها والتشدق بإعادة صياغتها وتفعيلها في الوقت الذي يعد المجلس المركزي أحد الممرات المهمة لتحقيق هذه الغاية؟!
من باب أولى أن تلتئم تلك الفصائل في إطار المجلس الذي وجب انعقاده ليس فقط لملء بعض شواغر اللجنة التنفيذية وهيئة رئاسة المجلس الوطني مع أهميتها القصوى، بل لإعادة صياغة وتفعيل مؤسسات المنظمة واستحقاقات أخرى كان قد أقرها المجلس الوطني على مستوى تعميد المنظمة باعتبارها عمود خيمة الشعب الفلسطيني ووطنه المعنوي في الداخل والخارج، كذلك هناك استحقاقات سياسية وجب الوقوف أمامها بعدما أعطى الرئيس محمود عباس العالم مهلة عام لإنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وإعادة رسم العلاقة مع الاحتلال وحكومته اليمينية المتطرفة، وتحقيق السلام العادل والشامل وفق قرارات الشرعية الدولية وعبر مؤتمر دولي يمنع التفرد والاستقواء ويعيد العملية السياسية إلى أصولها.
ما زالت فرصة جمع الشمل الفلسطيني قائمة عشية انعقاد المجلس المركزي وقبيل أن ينفض المجلس ويخرج بقراراته المصيرية في ظل غياب بعض الفصائل المحتمل، والتي ربما تتخذه ذريعة أخرى لاستمرار الانقسام، فحتما سينعقد المجلس بحضور الغالبية العظمى من القوى والفصائل وسيتحقق النصاب القانوني كما جرى في كل المحطات الفلسطينية التاريخية وآخرها المجلس الوطني وسيسجل التاريخ مواقف الكل، صحيح أن الانقسام قد يستمر أو يزداد بفعل ذلك الغياب غير المبرر، لكن المجلس المركزي سيضع خريطة لإنهائه، وسيحفظ وجود منظمة التحرير الفلسطينية الأساس، وسيشكل بمخرجاته عقبة أمام سياسة الاحتلال الإسرائيلي التي تسعى إلى فرضها، وسيكون العالم والفاعلين الدوليين والإقليميين أمام معطيات وقرارات المجلس.
نصيحة للمتغيبين حتى اللحظة وقبل أن يغلق باب المجلس أن بادروا لتسجيل الحضور في سفر التاريخ ولا تكونوا من الغياب، بل من الشاهدين على صك وثيقة العهد الجديد، تعالوا إلى كلمة سواء تجمع ولا تفرق طالما أن الهدف واحد، قولوا كلمتكم وما شئتم داخل أروقة المجلس الذي أنتم ممثلون فيه من خلال أطركم المختلفة، لا ترتهنوا لأحد ولا تراهنوا على أحد وتكونوا كمن يهدم بيته بيده.
لعلنا نتفق لنعرِف، لا نخالف فنُعرف.