السبت: 18/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

السبيل إلى عقلنة عصر الاستفزاز!

نشر بتاريخ: 06/02/2022 ( آخر تحديث: 06/02/2022 الساعة: 21:24 )

الكاتب: د.محمود الفطافطة

إذا كانت طبيعة العصر الذي نعيش فيه ومتطلباته قد أوحت بمسميات لهذا العصر بأنه "عصر التكنولوجيا" أو أنه "عصر المعلومات" أو "عصر الفضاء"، فإننا ومن منظور طبيعة السياق الذي نعيشه في إطار مفهومي الحوار والتفاوض، سنجد أنه يمكننا أن نُطلق عليه "عصر الاستفزاز".

ففي هذا الزمن الذي تتغلب على مكوناته خاصية التقلب وشد النفوس يصبح الحوار والتفاوض أهم المهارات المناسبة بكيفية التعامل مع كم كبير من المواقف اليومية التي عادة ما يكون فيها الكثير من الأمور المستفزة التي ينبغي احتواؤها والتعامل معها بفاعلية وإيجابية. فالمطلوب منا إدراك كيفية الحفاظ على مستوى التوتر دون أن تتضخم المشاكل أو تتحول المشاكل الصغيرة أو البسيطة إلى مشاكل أكبر أو أزمات كبيرة.

وإذا نظرنا إلى واقعنا الإعلامي والرياضي والمدرسي والإداري والسياسي، إلخ لوجدنا أنه يزخر بكم كبير من أمثلة ومواقف تمارس من خلالها أساليب الاستفزاز بأنواعها المختلفة. مشاهد الاستفزاز هذه تتمثل في دائرتين، الأولى: الاستفزاز الذي يولد الغضب، ونتعامل معه سلباً فنطيل أمد التوتر مع إمكانية انزلاقه إلى أزمة أو أزمات أخرى. والدائرة الثانية: أن يتم التعبير عن الغضب بشكل إيجابي، غير منفلت وموظف بحرصٍ للتعبير عن الحقوق، دون الجور على حق الآخرين.

وفي هذا الإطار هناك الكثير من السلوكيات التي تستفزنا، وتسبب لنا ألماً شديداً؛ لما لها من إفرازات خطيرة على واقعنا وقضيتنا، نذكر بعضها: تغليب العاطفة على العقل في حل المشاكل، القيل والقال والتدخل في الخصوصيات، الغيبة والنميمة، عدم الالتزام بالوعد والمواعيد، عدم دفع الحقوق وتسديد الديون، عدم الالتزام بأوقات العمل، وغياب الإتقان في ممارسته، الجشع والبخل مع امتلاك صاحبه ثروات طائلة، السرقات العلمية، تجاوز أخلاقيات المرور، العيب الخفي في المنازل المستأجرة أو المشتراة، الإيمان المغلظة من التاجر ورفعه للأسعار، عدم الالتفات إلى الفقراء ومن هم بحاجةٍ إلى عون ومساندة، معاكسة الفتيات في الميادين والتسكع فيها دون البحث عن مصدر رزق أو وسيلة للنجاح والإنتاج، وإزعاج الجيران بموسيقى صاخبة أو الاعتداء على ممتلكاتهم.

وعلاوة على هذه الاستفزازات نجد أن أكبر استفزاز لنا هو وجود الاحتلال، واستمرار الانقسام، وتراجع كثير من القيم والمثل الجميلة، وتفشي جيش الجواسيس، وهجرة الشباب، والاتكال على التمويل دون التفكير بموارد محلية، وإبداعات وطنية.

هذه "المستفزات" وغيرها الكثير، تنتشر في حياتنا، ولكن المطلوب التعامل معها بعيداً عن السلبية أو العدائية، بل من خلال كفاءة من التفاوض الموضوعي والحوار الفعال. على الجميع، خاصة الجهات صاحبة الشأن والقرار أن تولي لحاجات المجتمع ومشاكله أولوية قصوى، حتى لا تتعمق المثالب، ويتضاعف الندم، ويتضخم جبل الأزمات. الحوار الأخوي كفيل بمعالجة مثالبنا. أما الاحتلال؛ فعلاجه المقاومة وتوحيد الطاقات، وقبلها المواقف والاستراتيجيات.