الكاتب: د. علي الاعور
ربما كانت زيارتي لقطاع غزة قبل اسبوعين تشكل نقطة تحول لدي في فهم الواقع الاقتصادي و الاجتماعي لدى سكان غزة ،فقد كانت زيارتي السابقة بعد حرب 2014 وكانت الاوضاع المعيشية و الاقتصادية في غزة سيئة جدا على الرغم من وعود وكالة الغوث لتشغيل اللاجئيين الفلسطينيين ( الانروا) وكذلك وعود الدول المانحة و دول الاتحاد الاوروبي ظلت الاوضاع الاقتصادية على حالها سواء من حيث اعادة الاعمار او البنى التحتية او حتى على مستوى حياة المواطن في قطاع غزة ولكن زيارتي الاخيرة الى قطاع غزة قبل اسبوعين تركت لدي انطباعات كبيرة جدا من خلال ما لمسته من المواطن العادي في شوارع غزة و الاسواق مزدهرة و الحركة التجارية وحركة السيارات كبيرة جدا مرورا بالافراح التي كانت تعم البيوت في قطاع غزة عندما يحصل رب الاسرة او الابن او الاخ على تصريح( تجارة) للعمل في اسرائيل حيث الابتسامات و الافراح على وجوه كل افراد الاسرة وانتهاءا بحركة العمال عندما رجعت من غزة وجدت الاف العمال على معبر ايرز( بيت حانون) يصعدون الى الحافلات التي تنقلهم الى الجانب الاسرائيلي .
ووفقا للمعطيات التي تم تداولها في الاعلام الاسرائيلي فان اسرائيل سمحت بدخول خمسة الاف عامل في اغسطس 2021 وفي نهاية العام الماضي وصلت الى سبعة الاف عامل وفي بداية عام 2022 وصل عدد التصاريح التي منحت لسكان قطاع غزة الى 10000 الاف تصريح عبر الغرفة التجارية في كل محافظات قطاع غزة وفتح سجل تجاري لمن يتمكن من العمال المرور بتلك الخطوات للعمل في اسرائيل . ووفقا للاعلام الاسرائيلي ما نشرته صحيفة هأرتس في تاريخ 30 يناير 2022 نقلا عن منسق اعمال الحكومة الاسرائيلية " غسان عليان" حيث تم تعديل التصريح من تاجر الى احتياجات اقتصادية ووفقا للاعلام الاسرائيلي تم وضع اليات جديدة لمنح تصاريح للعمال بصفة عامل ويمكن للعامل اختيار المشغل المناسب له وفقا لقدرته وامكانياته المهنية وبعيدا عن الغرفة التجارية و التخلص من اجراءات تاجر والحصول على تصريح تاجر من خلال سجل تجاري وبكل الاحوال هناك تقديرات اسرائيلية وفقا للاعلام الاسرائيلي حتى شهر فبراير الحالي اصبح يدخل قطاع غزة يوميا من السيولة النقدية من ايرادات العمال و رجال الاعمال و التجار وادخال مواد البناء وتصدير المنتوجات الزراعية يوميا "ما يزيد على 50 مليون شيكل يوميا" على اعتبار ان ما يتقضاه العامل في اسرائيل ( 400 شيكل) وربما اكثر اما التجار ورجال الاعمال فلديهم صفقات تجارية عبر معبر "كرم ابو سالم التجاري" وايرادات مالية كبيرة جدا مع ايرادات العمال تساهم بشكل جيد في انخفاض نسبة البطالة والفقر التي يعاني منها سكان قطاع غزة حتى وان كانت النسبة بسيطة.
ربما لا تمانع حركة حماس ولن تمنع دخول العمال الى العمل في اسرائيل لان هذا يحرك عجلة الحياة الاقتصادية في قطاع غزة ويزود قطاع غزة بالسيولة النقدية لمجمل الحياة الاقتصادية وهذا يخفف الضغط الجماهيري و الشعبي على حركة حماس كما انه يحد من نسبة البطالة بين الشباب و الخريجيين في قطاع غزة.
وربما ايضا منح المزيد من التصاريح للعمال و الدخول الى اسرائيل للعمل في اسرائيل سوف يساهم ايضا في الحد من نسبة البطالة بشكل اكبر ويمنح مزيدا من الاستقرار الاقتصادي و الاجتماعي داخل العائلة في قطاع غزة ويحد من العنف و المشاكل الاسرية و العائلية داخل العائلة الواحدة في قطاع غزة حيث توفر الاموال والسيولة النقدية في العائلة في غزة تمنح استقرار اسري ومجتمعي وتحد من مشاكل اجتماعية كبيرة وتساهم في خلق الامل و التفاؤل لدى الشباب في الحرية و العمل و الزواج و المساهمة في بناء واعادة اعمار البيوت التي دمرها الاحتلال في الحرب الاخيرة على غزة " مايو2021" .
كما ان التسهيلات الاخيرة التي وردت في وسائل الاعلام الاسرائيلية عن ادخال مواد البناء و الاسمنت و الحديد سوف يفتح المجال لفتح ورش العمل و البناء و الكراميكا وتشغيل عدد جيد من العمالة داخل قطاع غزة بالاضافة الى اعادة مصانع الخياطة و النسيج والسماح بتصدير المنتوجات الزراعية من الخضروات و التوت الارضي عبر معبركرم ابو سالم الى الضفة الغربية سوف تساهم في الحد من نسبة البطالة على اعتبار فتح مصانع وورش البناء" سوف تساهم في تشغيل ايدي عاملة من الشباب في داخل قطاع غزة.
وما اعلنته وزارة الشؤون المدنية والوزير حسين الشيخ عن حصول الجانب الفلسطيني على 10000 الاف جمع شمل للعائلات الفلسطينية منها 3500 جمع شمل في قطاع غزة ومنح العائلات الفلسطينية في قطاع غزة مزيدا من الحركة و السفروما شاهدناه من اقامة الافراح بعد حصولهم على جمع الشمل في قطاع غزة ربما يعكس حالة من الامل و الاستقرار في قطاع غزة .
ومهما يكن من امر .. فان اسرائيل كونها قوة احتلال على حدود قطاع غزة فان اسرائيل ملزمة وفقا لاتفاقيات جنيف الرابعة 1949 بمنح حرية الحركة و التنقل و العمل في الاراضي الفلسطينية المحتلة الضفة الغربية وشرقي القدس و قطاع غزة ورفع الحصار بالكامل عن قطاع غزة وهذا ما يقودنا الى السؤال المركزي من اجل رفع الحصار بالكامل وامام كل المعطيات الجديدة من خلال اصدار الاف التصاريح للعمل في اسرائيل و التسهيلات المدنية و الاقتصادية التي تمت من خلال لقاءات الرئيس الفلسطيني ابو مازن مع "بيني غانتس " ولقاءات حسين الشيخ لبيد " وساهمت في هذا التحول الاقتصادي في قطاع غزة نحو الانفتاح الاقتصادي ما يسمح بطرح مجموعة من الاسئلة التالية : هل تمت تلك التسهيلات لقطاع غزة ضمن تفاهمات هدنة بين حماس واسرائيل من خلال الوسيط القطري او الوسيط المصري؟ هل اسرائيل تقدمت بهذه المبادرة لازدهار قطاع غزة اقتصاديا ربما تنتظر مبادرة سياسية من حماس؟ هل تتقدم حركة حماس بخطوة الى الامام وتقدم مبادرة سياسية تعترف بالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية ؟ هل تعترف حماس بقرارات الشرعية الدولية و الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي المتعلقة بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي؟ هل تعلن حماس دخولها لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في اطار الشرعية الدولية وقرارات الامم المتحدة؟
باعتقادي ان حركة حماس قادرة من خلال المكتب السياسي لها في البدء بمفاوضات مع حركة فتح وبقية الفصائل الفلسطينية تقدم من خلالها حماس ورقة عمل سياسية تمكنها من الشراكة السياسية على اساس منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي و الوحيد لكافة ابناء الشعب الفلسطيني وهذا يساهم في جعل حماس جزء مهم في النظام السياسي الفلسطيني وخاصة دخولها منظمة التحرير الفلسطينية و التقدم خطوة نحو الامام من اجل عقد الانتخابات التشريعية و الرئاسية و انتخابات المجلس الوطني التي سوف تؤسس لنظام سياسي فلسطيني يقوم على التعددية و التداول السلمي على السلطة وانهاء الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني .