الأحد: 12/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

ماذا بعد ؟!

نشر بتاريخ: 13/02/2022 ( آخر تحديث: 13/02/2022 الساعة: 12:33 )

الكاتب: رولا سلامة

المتابع والمراقب للأحداث وتطوراتها في فلسطين، يدرك مدى المأساة التي حلت بنا، فنحن ومنذ عقود كنا نحلم، ونحاول أن نلون أحلامنا لنعيش على أمل يضيء طريقنا، ويفتح أمامنا أفاقا جديدة للحياة، وكنا على يقين تام أن الطريق للمستقبل لن تكون معبدة بالأزهار، ولكنا كنا نعتقد اننا في أياد أمينة، وقيادات لن تضحي بنا، ولن تساوم علينا .

خلال السنتين الماضيتين، تدهورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في فلسطين، وجاءت جائحة كورونا لتكشف عوراتنا، وتزيد من مأسينا، ليرتفع تباعا خلالها مستوى الفقر، وتزداد البطالة، وتنهار المنظومة الصحية، ويتضرر التعليم، ويزداد الفساد والمحسوبية والظلم.

جاع الفقير، ومات المريض، وانتشر المرض، وقل الدواء، وزاد الفقر، وتكدست الهموم، وارتفعت الأسعار، وقل الخير، ومات الضمير، وانتشر الظلم، وزادت البطالة، وماذا بعد!؟

مرت السنوات، وتبين لنا أننا كنا مخطئين، تبين لنا أن الانسان ليس أغلى ما يملكون، وأن الأرض ليست شبيهة بالعرض كما يدعون، واتضحت الصورة، وبانت الحقيقة، وبدأ الشعب يدفع ثمن أنانيتهم وجبنهم، يدفع ثمن السرقات والفساد والمحسوبية والصفقات المشبوهة، وفوق كل هذا فقدنا المصداقية، وطبع فوق جبيننا أننا حراميه وسماسرة، وأن ما يصلنا من مساعدات، وفي أغلب الأحيان، تذهب لجيوب الأغنياء والتجار وأولي الأمر وحاشيتهم.

ماذا بعد! الفقير زاد فقرا وعوزا، ضاقت الدنيا في وجوههم، فقلت المخصصات الموسمية التي كانوا يتقاضونها، وحرموا من السلات الغذائية، والكوبونات الشهرية ونصف الشهرية، وتم اعادة تقسيم الطبقات، لتمحى الطبقة الوسطى تقريبا، وتكبر الطبقة الفقيرة ويزداد فقرها، وأما طبقة الأغنياء، فهنا باب القصيد، وهنا مكمن المال والصفقات والتجارة والمزيد.

ماذا بعد!؟ مخصصات وزارة التنمية الاجتماعية لم تدفع في العام الماضي 2021 سوى مرة واحدة خلال شهر رمضان المبارك، وهذا يعني أن الفقراء دفعوا الثمن، وهذا يعني أن من يتقاضى 250 دولارا كل مائة يوم، تقاضى نفس المبلغ ولكن خلال العام بأكمله، ولم يستطع أن يوفر ثمن الخبز فقط، وهذا يعني أنهم وصلوا لحالة الفقر المدقع، أي بدخل أقل من 4 شيكل باليوم، والذي عرف من قبل الأمم المتحدة في العام 1995 بأنه" حالة تتسم بالحرمان الشديد من الاحتياجات الانسانية الأساسية، بما في ذلك الغذاء ومياه الشرب النظيفة ومرافق الصرف الصحي والصحة والمأوى والتعليم والمعلومات"، وهذا كله ينطبق على فقراء فلسطين في العام الماضي، ومن يدري ماذا يحمل هذا العام لهم أيضا!.

أما المريض، ومن يحتاج للعمليات والعلاج والدواء، فالقصص كثيرة، ويوميا نسمع المزيد، معاناة مع الأطباء، وفي تحصيل الدواء، وحجز مواعيد في المشافي الحكومية للعمليات، ومشاكل الأخطاء الطبية والاهمال الطبي، وسوء المعاملة من قبل بعض الأطباء للمرضى والمراجعين، ومعاناة في توفير ثمن المواصلات، للتنقل بين العيادات، معاناة لها بداية وليس لها نهاية، معاناة للفقراء ومن لا حول لهم ولا قوة، فهنا في فلسطين أصبح المريض يتسول ليحصل على العلاج، وأصبح يتنقل من مؤسسة لاخرى باحثا عمن يشتري أو يوفر له الدواء، وهنا لا تصدقوا كل ما يقال، فنحن لسنا بأفضل أحوالنا، ولسنا أفضل من جيراننا، ولسنا بخير .

ماذا بعد!، بدأ العام الجديد وبدأت معه المصائب، مصيبة تلو الاخرى، والشعب يدفع الثمن، وأقصد هنا الفقير يدفع الثمن، خصم على الرواتب، وارتفاع بالأسعار، واضرابات في الجامعات، وبطالة في ازدياد، وعنف في الشارع وقتال بين الناس، امتلأت المشافي بالمرضى، وزادت المناشدات عبر وسائل الاعلام من أسر وأفراد يستنجدون العلاج والدواء، يتوسلون لانقاذ حياة أبنائهم وأطفالهم، والمبكي هنا أن الشعب الذي قهر المحتل وتحمل القتل والتشريد والاعتقال والابعاد، وتحمل كل أصناف العذاب، وقف عاجزا أمام الحصول على تحويلة تنقذ حياة مريض أو مريضة، فهل يعقل ما يحدث عندنا !!.

ماذا بعد! في زمن الكورونا كشفت عوراتنا، وتغنينا بامجادنا، وصدقنا أننا تميزنا في بداية الجائحة، فأهملنا التطعيمات، وقررنا الاستغناء عن الكمامات، واكتفينا بوضع اليافطات على مداخل البنايات والوزارات ، والنتيجة كانت ازدياد في الاصابات، وضغط في المشافي والعيادات، وعزوف عن التطعيمات، وقرارات وزارية للتطعيم والتباعد واستعمال الكمامات، لم تتابع ولم تنفذ وبقيت حبرا على ورق.

ليس هذا كل شيء هنا، فالبطالة في ازدياد، والشباب العاطل عن العمل مصاب بحالة من الاحباط الشديد، طرق الابواب وتواصل مع المؤسسات، وزار الأحبة والأصدقاء، الا أن النتيجة لم تكن في صالحهم، فهم بحاجة لمن يوصي عليهم، ويدعم طلباتهم، ويزكي معاملاتهم، والفقير لا حول له ولا قوة، فمن لا يملك المال لا يملك الواسطة.

ماذا بعد! ارتفاع في الاسعار لمعظم المواد الغذائية الاساسية، أحدث حالة من البلبلة والتخبط والغضب، وتم اعلان المقاطعة، للمصانع والمعامل التي زادت أسعارها، والحكومة تستنكر وتتابع، وتراقب ما يدور بالشارع، فلا يتوقع منها أكثر من ذلك، ولنا الله .

ولا ننسى الخصومات في الرواتب، ونقص في أموال الدعم والمساعدات، فسمعتنا سيئة، والفساد ينخر في أجسادنا، ولم يعد يثق بنا أحد، فأموال الدعم اما مسروقة أو مسروقة، قد تصرف في غير مصارفها، أو قد توزع رشاوى ومكافآت، وما ينفذ منها قد يصل لمن لا يحتاجها، فمعايير الاحتياج هنا فضفاضة، فماذا بعد!.

أرغب دوما أن أكون متفائله، وأن لا أترك مجالا لليأس والاحباط في كلماتي، ولكن الذي يحصل أصبح لا يطاق، نحن بحاجة لتغيير الوجوه، واستبدالها بشباب واعد ومتفائل، نظيف الكفين، يحمل في قلبه حبا للوطن، ويحمل بين يديه العزم والارادة والعمل، يعمل بجد واجتهاد، يستشير الشعب، ويتواصل معهم باستمرار، بحاجة لمنظومة جديدة، فيها الناس سواسية، وفيها خطط للبناء، للوحدة، وفيها المرأة شريكة الرجل، فالبناء يحتاج للجميع، وقد حان الأوان للتحرك .

الكاتبه: الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن" ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا. والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن فيروس كورونا والحياة في زمن كورونا وتأثيره على المجتمع الفلسطيني .