الخميس: 09/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

أزمة أوكرانيا ما بين الأوروبيين الباحثين عن الحل والامريكيين الذين يدقون طبول الحرب

نشر بتاريخ: 16/02/2022 ( آخر تحديث: 16/02/2022 الساعة: 19:27 )

الكاتب:

بقلم – اكرم عطاالله العيسة

بعد المحادثات الألمانية برئاسة المستشار الألماني شولتس مع الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي 8 شباط 2022، وخلال المؤتمر الصحفي للرئيسين قال بايدن ، سنقوم بإغلاق خط انابيب الغاز الروسي "نورد ستريم 2 اذا غزت موسكو أوكرانيا، المفترض والطبيعي ولو كانت حسابات المصالح متطابقة هو ان يقوم المستشار الألماني بالتصريح عن ذلك وليس الرئيس الامريكي، لكن ذلك ببساطة يؤشر الى تباين ما بين الموقفين الأوروبي والامريكي، خاصة ان هذا المشروع لإيصال الغاز الى المانيا قد كلف ما يقارب 11 مليار دولار وهو حيوي للاقتصاد الالماني ، وعلى الرغم ان الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وأوكرانيا قد عارضته منذ الإعلان عنه عام 2015 معتبرة أياه وسيله لزيادة النفوذ الروسي في أوروبا، الا ان المانيا قد وقعته وسارت به متجنبة الاخذ بموقف المعارضين.

بالمقابل وبعيدا عن حالة التندر التي اثارها بعض المحللين والسياسيين وبعض المثقفين لتلك الطاولة الممتدة التي جلس على طرفيها كل من ماكرون الرئيس الفرنسي والرئيس الروسي بوتين، فان زيارة ماكرون لروسيا في السابع من شهر شباط 2022 جاءت لتعلن ولتعبر بطريقة او بأخرى ان الفرنسيين غير معنيين بالحرب في أوكرانيا وانما تركيزهم الأكبر هو باتجاه إيجاد حل وسطي يجنب أوروبا تداعيات جديده واستحضار لمرحلة الحرب الباردة، حيث ان فرنسا والتي تعتبر عضوا مركزيا في حلف الناتو الا ان لها حساباتها المختلفة مع بعض أقطابه خاصة الأمريكيين والبريطانيين وهي مازالت تعاني من ازمة الغاء صفقة الصواريخ مع استراليا والبالغة اكثر من 60 مليار دولار، والتي اعتبرها الفرنسيين طعنه في الظهر من قبل أمريكا وبريطانيا واثار ازمة ما بين الحلفاء.

اما ما يمكن إضافة الى الازمات العديدة المختزنة ما بين فرنسا وألمانيا من جهة والولايات المتحدة الامريكية من جهة أخرى فهو طريقة الانسحاب من أفغانستان والتي تحكم بها وبإعلانها الامريكان ودون تنسيق حقيقي داخل حلف الناتو، مما اظهر الحلفاء الأوروبيين وكأنهم حلفاء هامشيين وأشار الى عنجهية واستعلاء الامريكان حتى مع حلفائهم.

من دلالات اختلاف الموقفين الألماني والفرنسي عن الأمريكي والبريطاني ان كلا من فرنسا وألمانيا لم تنجذبا بشكل مبالغ فيه الى حالة الدعم والاسناد العسكري الى أوكرانيا وعلى الرغم من المطالبات الأوكرانية من جهة ومطالبات حلف الناتو الى المانيا لتزويد أوكرانيا بالأسلحة الا ان الموقف الالماني بقي على حاله وهو ما عبر عنه المستشار الألماني شولتز في اعقاب لقائه مع ينس ستولتنبرج امين عام حلف شمال الأطلسي بتاريخ 18 كانون الثاني من العام الجاري حيث قال " ان الحكومة الألمانية تتبع منذ سنوات عديدة استراتيجية لها نفس التوجه في هذه القضية ، ومن ضمنه أننا لن نصدر أسلحة فتاكة" مع العلم ان هنالك حالات لخروج المانيا عن ما تدعيه فيما يتعلق بمثل هذه الأسلحة خاصة العلاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فان الموقف الألماني يؤشر الى ان حسابات المانيا مختلفة.

ان ما يحفز ويدفع بعضا من الدول الأوروبية خاصة المانيا وفرنسا وهما الأكثر قوة ونفوذا في دول الاتحاد الأوروبي الى محاولة الوصول الى حلول وسط مع روسيا وتجنب الحرب قدر الإمكان ويظهرهما متباينتين مع الموقف الأمريكي بشكل خاص، فهو كوكتيل مم المصالح الاقتصادية والجيوسياسية وكذلك ارث كبير من آثار الحرب العالمية الثانية التي لم يبرأ منها الأوروبيين بعد، فعلى الصعيد الاقتصادي مثلا فان المانيا تستورد من روسيا 40% من احتياجاتها من البترول و 50% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، وهي بذلك تدرك ان الحرب اذا ما حدثت ستجد نفسها مجبرة من قبل الولايات المتحدة الامريكية على اتخاذا هذا القرار الذي سيترك اثارا مؤلمة على الاقتصاد الألماني خاصة في المستوى المنظور. لهذا وجدنا المانيا قد سعت دوما الى إبقاء سياسية الجسور المفتوحة مع روسيا وكانت المستشارة الألمانية السابقة ميركل صاحبة شعار الحوار المفتوح مع روسيا.

هل ستقع الحرب؟ الأمريكيون بالدرجة الأولى والاوروبيون بالدرجة الثانية هم من يتحدثون عن الحدوث الوشيك لتلك الحرب ويبدو ان الرئيس الاوكرايني فيلوديمير زيلنونسكي كان حتى وقت قريب كثير التشكيك في حدوثها حتى انه صرح يوم السبت 12 شباط قائلا التحذيرات المتصاعدة عن غزو روسي وشيك لاوكرانيا تثير الهلع، ولا تساعدنا، ونطالب هؤلاء الذين يطلقونها بأن يقدموا لنا دليلا قاطعا يؤكد غزو روسي وشيك لبلادنا" لكنه تراجع لاحقا امام الموقف الأمريكي وتصريحات السياسيين الامريكان التي تتحدث عن قرب موعد هذا الغزو. ببساطة فان ذلك يشير الى الاوكرانيين كانوا يرغبون بأرسال رسائل الى روسيا وكأنهم يقولون، نريد التوصل لاتفاق وان نتجنب الحرب، اما الإدارة الامريكية فأجندتها أخرى مرتبطة بنظرتها للصراع الاستراتيجي مع كل من روسيا والصين وتريد احكام السيطرة على الدول الحدودية لروسيا.

على مدار تاريخ صراع القوى العظمى كان الاستعداد للحرب والتلويح باستخدام القوة احد ابرز الوسائل في حسم التناقضات فيما بينها وفي تحدي مناطق النفوذ التي تهم البعد الاستراتيجي كما تراه كل قوة، لكن التلويح باستخدام القوة لا يفضي دوما الى حرب وانما قد يكون ناجعا في دفع طرف او عدة اطراف الى التوصل الى اتفاق ما، واقرب مثال على ذلك هو ما عرف في التاريخ الحديث وابان الحرب الباردة عام 1961 بأزمة خليج الخنازير، فقد حاولت أمريكا في حينة وبعد ان نجحت الثورة الكوبية بقياد فيدل كاسترو وتشي جيفارا ان تسقط النظام الجديد الذي بدا متحالفا مع الاتحاد السوفيتي ، الا ان المحاولة الانقلابية المدعومة أمريكيا لم تنجح، وتدخل الروس لاحقا عبر نشر مجموع من الصواريخ قريبة من كوبا لحمايتها مما أوصل الصراع مع أمريكيا الى حافة الحرب النووية المدمرة، انتهت بسحب الصواريخ ولكنها قللت من حجم التهديد المباشر على كوبا.

والسؤال هنا وامام التداعيات المختلفة في الازمة الأوكرانية التي يظهر فيها إصرار روسي غير مسبوق على منع أوكرانيا بالانضمام الى حلف الناتو يقابل باختلافات ما بين الحلفاء الأوروبيين وامريكا ، هل تسير الأمور باتجاه حل وسط والابتعاد عن الحرب؟