السبت: 11/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

الشيخ جراح .. تحدي المستحيل

نشر بتاريخ: 20/02/2022 ( آخر تحديث: 20/02/2022 الساعة: 21:57 )

الكاتب: أحمد فائق أبو سالم

في الشيخ جراح أسطورة فلسطينية أبطالها من لحم ودم، للتاريخ أن يكتبها، وللأجيال أن تتذكرها، وللإنسانية أن تستلهمها في تحدي الظلم، ومقارعة الاستبداد، وتعرية العنصرية المقيتة.
ولا أقبح من عنصرية يحمل لواءها ايتمار بن غفير ومن ورائه حكومة إسرائيلية تتدثر بخطاب الكراهية للفلسطينيين.
ولا غرابة في ذلك؛ فتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، حفل بهذه الرموز العنصرية التي صنعت الظلم التاريخي اللاحق بالشعب الفلسطيني، وما زالت تلقي في موقده المشتعل حطب حقدها وساديتها.
وما يثار اليوم من أقوال على لسان مسؤولين إسرائيليين تحذر من موجة تصعيد قادمة قد يتسبب بها بن غفير وغيره من غلاة المستوطنين، لا تتجاوز في تأثيرها أبواق الناطقين بها، والإ لما كنا نرى هذه الحكومة تطلق يده يفعل ما يشاء من استفزازات لأهالي الشيخ جراح والمقدسيين، وتحريض سافر على طرد العائلات الفلسطينية من بيوتها، محاطا بشرطة الاحتلال؛ لتسهر على حمايته والدفاع عن لصوص المستوطنين، في وقت ينفلت عقال بطشها وتنكيلها بسكان الحي، ومحاولة الاستقواء عليهم بالقوة العسكرية الغاشمة، في معركة مفتوحة على مدار الساعة، توظف فيها دولة الاحتلال إمكانياتها وأجهزتها كافة لقمع الصامدين في الشيخ جراح وإثنائهم عن التصدي لمنطق الغاب، الذي يعكس الشخصية الاستعمارية لهذه الدولة التي ما زالت تحلم وتخطط لتهويد الأرض الفلسطينية كاملة، في سياق حملة موصولة من التطهير العرقي، وتجسيد نظام الأبرتهايد بأبشع صوره وأشكاله.
وفي صلب هذا الواقع يسابق الاحتلال الإسرائيلي الزمن لفرض الحقائق على الأرض، وشطب أي إمكانية لبلورة كيان فلسطيني حقيقي ودولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف.
ويغذي هذه الغطرسة الاحتلالية، الصمت المطبق على جرائم الاحتلال، وفتح الأبواب على مصاريعها لقادته السياسيين والعسكريين والأمنيين في زمن التطبيع.
فلم يعد ثمة من يصيخ السمع لنداء أنقذوا الشيخ جراح، ولا يلامس هذا النداء نخوة لم تعد من أدبيات هذا العصر وقد تغيرت مفاهيم الشجاعة، وانهارت قيم البطولة التي كانت تضيء مواقف الرجال.
ولا غرابة في أن يحتل الشعور بالخذلان هذا الموقع المتقدم، في ظل الفرقة والتجزئة والانقسام التي تنخر البيتين العربي والفلسطيني.
لكن أهالي الشيخ جراح، وهم يسطرون ملحمة الصمود، وينشدون للأرض والحرية، يؤكدون هوية المكان التي تستمد ملامحها الفلسطينية والعربية من تاريخ مفعم بالانتماء لهذه الأرض، ومخزون نضالي عميق يفيض بالعطاء والتضحيات ودماء الشهداء التي تبقي جذوة الكفاح الفلسطيني متقدة، وتنير الأفق المظلم بوهجها الساطع.
إن إصرار الصامدين في الشيخ جراح على مقاومة الاقتلاع والتهجير القسري، رغم المعانة الهائلة، يثبت للقاصي والداني أن الفلسطيني لن يكون (خارج المكان) وأن من عليه الرحيل عن هذه البقعة الطاهرة هو من جاءها غازيا ودنسها.