الكاتب:
الأسير ظافر الريماوي
مضت المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية بسلام فانقضت بما لها وما عليها لكنها بالمقابل في الكثير من تفاصيلها محل نقاش جمعني باحد الأصدقاء المقربين توصلنا خلاله الى خلاصات أخالها غاية في الأهمية، بحيث أكدنا بداية على نجاحها من الناحية الإجرائية على أقل تقدير بما يظهر قدرة الفلسطيني على اجراء هذه الانتخابات رغم الصعوبات كافة ...
فايروس كورونا بمتحورها الجديد ... فايروس الاحتلال بإرهاب مستوطنيه...، الوضع الاجتماعي الفلسطيني بالنظر الى حوادث القتل والشجارات العائلية المتزايدة ، ناهيك ابتداء وانتهاءً عن الانقسام السياسي تعلو جدرانه بمرور الأيام .
حصيلة هذا النقاش كانت جملة من الرسائل أهمها:
اجراء الانتخابات المحلية في مرحلتها الأولى بمشاركه 316 هيئة محلية فاز من بينها 162 هيئة محلية بالتزكية مقابل 154 هيئة محلية جرى فيها التنافس بين أكثر من قائمة انتخابية.
بحيث حصلت القوائم المستقلة على ما نسبته 71% من المقاعد، مقابل 29% فقط للقوائم الحزبية ، في حين بلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات 66%مما يؤكد بان المجتمع الفلسطيني راغب بإجراء الانتخابات بهدف إعادة التصويب والتجديد وبالتالي مثلت رسالة الى العالم اجمع تنسجم وأساس وجود الشعب الفلسطيني الثقافي والديمقراطي والحضاري . وبهذا المعنى تكون قد صدرت نموذجا للعالم الغربي اننا نستطيع فعل ذلك بانتخابات وليس عبر صناديق الرصاص او بالسطو على السلطة فضلا عن انها قد أرسلت رسالة مماثلة الى حركة حماس اذ لا يعقل ما أقدمت عليه يمنع اجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة والسماح لعناصرها بالمشاركة فيها في الضفة الغربية ، أي الاستفادة من هذه الديمقراطية في سياق خطوة مواربة لقياس حضورها في أوساط الجمهور الفلسطيني مع ادراكنا بأن حركة حماس تريد ثمنا سياسيا عاليا مقابل مواقفها على إجراء الانتخابات في القطاع .
هناك رأيي قائل : بأن التمثيل النسبي هو الخيار الأمثل عموما للأنظمة الحديثة لكن بتقديري يكاد يكون هذا النظام الى جانب نظام سانت لوج أسوء شكل للحالة الفلسطينية ، كونه يساهم في إيجاد نظام اجتماعي فلسطيني قائم على تعظيم دور ومكانة العشيرة والقبيلة، لتغدو مع الإيام الى جانب روافع أخرى بقصد او بدون قصد بديلا للحركة الوطنية الفلسطينية باتجاه انتاج نظام سياسي قائم على ما ينتجه هذا النظام الاجتماعي الجديد ( القبلي ) ومن الملحوظ في هذا السياق بأن الشكل الذي تمت به الانتخابات المحلية مؤخرا يعزز موقع القبيلة والعشيرة على حساب الفصائل والأحزاب إضافة الى حقيقة مفاداها : أنه اذا كانت النخب الوطنية هي من يتقدم صفوف الحركة الوطنية فإن من يتقدم صفوف القبيلة بالمقابل هم أصحبا المال او الجهوية،...
عليه... لك أن تتخيل ما قد يتسبب فيه نظام سانت لوج المعمول به كأساس في توزيع المقاعد على الكتل المتنافسة ، في حال تم تطبيقه على قرية ما ، تمثل 2000 صوت انتخابي موزعه على 11 مقعدا أي ما يساوي 180 صوت لكل مقعد . الأمر الذي يعني وبكل وضوح استطاعة أية عائلة هناك أو عدة أخوة مع أبنائهم من تشكيل قائمة انتخابية.
بناءاً عليه نجد بأنه مثلما يحقق نظام سانت لوج مزيد من القبلية على حساب الحركة الوطنية، فأن عدم مشاركة حركة حماس بهذه الانتخابات يضعف فرصة تسييسها أيضا.وبالتالي يضعف حضور الفصائل في موازاة العشيرة ، ذلك أن اجراء الانتخابات المحلية دون مشاركة حركة حماس وفي ظل تنافس أبناء حركة فتح ، فيما بينهم أشبه ما تكون بانتخابات داخلية لإحدى مواقع الحركة الطلابية أو التنظيمية .
لذا فأن الانتخابات المحلية الأخيرة وبالشكل الذي تمت به، قد عززت القبيلة مثلما زادت الشروخ بين العوائل. الأمر الذي سيجعل بتقديري مهمة حركة فتح أكثر صعوبة، في اقناع هذه العوائل على التلاقي والاتفاق خلف قائمة حزبية مستقبلا لخوض غمار الانتخابات العامة وهذا تحدي متروك للأيام برسم الاجابه..!
استكمالا لما تقدم فقد حملني صديقي على أجنحة نقاشه لنفكر سويا في السيناريو المفترض التالي: لك ان تتخيل لو حصل اتفاق بين عشرة عشائر في الضفة ومثلها في غزة او كلاهما معا على خوض الانتخابات التشريعية بقائمة انتخابية واحدة في حال حدوثها ...
برأيك ما هي حظوظ مثل هذه القائمة؟ ...
وما هي إمكانية فوز حركة فتح او الحركة الوطنية عموما في ظل ما يعصف بهما في مواجهة هذه القائمة؟... اذ لم يقف به الأمر عند هذا الحد، أنما واصل طريقه في طرح أسئلته تباعا .. ايمانا منه بأن السؤال مفتاح المعرفة .... برأيك ما هو سبب غياب قائمة انتخابية لحركة فتح في بعض القوى والمواقع ؟..
هل هو الدليل على عدم القدرة على تشكيل مثل هذه القائمة في تلك المواقع أم استجابة لابتزاز العوائل هناك ؟...
أليست العقيدة الوطنية هي زاد القوى والأحزاب؟ وهي كذلك فعلا أليس ما يسرج قناديل العشائر بالمقابل هو المال أو الجهوية وبالتالي فأن طغيان الثانية على الأولى فيه قدر كبير من تحقيق فكرة ضرب اهم مركبات الحركة الوطنية الفلسطينية، أي القوى والأحزاب.
وعليه لم يبقَ امامي سوى الإشارة الى هدفٍ لم يتغير ابدا أخاله سعيا قديم جديد لأنهاء الحركة الوطنية الفلسطينية ، تارةً ؟ عبر محاولات ضربها من خلال عمليات الانشقاق التي لم تؤتِ اوكلها كما يشتهي أصحابها ، وتارة أخرى من خلال إيجاد خصم سياسي يساهم عملياً بتحقيق هذه النتيجة عبر ممارسته المختلفة واهدافه المعروفة .
كما هو الحال مع الإسلام السياسي ... او ما يجري مؤخرا خاصة بعد تراجع دور ومكانة الحركة الوطنية في أوساط الشعب الفلسطيني، خاصة الجيل الشاب والمتمثل بإيجاد نظام اجتماعي قبلي بحيث يمثل هذا النظام قاعدة أساسية لإنتاج نظام سياسي فلسطيني جديد على حساب الحركة الوطنية الأمر الذي يظهر مخاطر النظام الانتخابي الحالي ومساوئ نظام سانت لوج في أن معا .
ختاما اعتقد بان العالم خاصة بعد تعثر اجراء الانتخابات العامة لن يقبل باستمرار بقاء النظام السياسي الفلسطيني بصورته الحالية ، إنما سيذهب باتجاه استحداث منصب نائبا للرئيس بصلاحيات محددة وفي حال حدوث شاغر - ( أطال الله في عمر الرئيس محمود عباس مفعما بموفور الصحة والعافية ) -
فإن متلازمة المال والاستقرار وقدرتهما عل الضغط والتأثير، إضافة الى العالم كقوة دافعة ،... كل هذا برأيي سيدعم ويشرعن وجود نائب الرئيس وبالتالي فإن مركبات الواقع الفلسطيني ستقبل بفكرة عام واحد كمرحلة انتقالية لنائب الرئيس لحين اجراء انتخابات جديدة ، لذا فأن كل ما تقدم يسترعي الانتباه، وبالتالي البحث والدراسة اتجاه كل ما هو افضل .