الكاتب:
د. سهيل الأحمد
فإن أروع الناس وأتقاهم وأعلمهم كما قال الغزالي لا ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة بل بعين الرضا بعضهم وبعين السخط بعضهم الآخر، فيجب الاحتراز عن ظن السوء وعن تهمة الأشرار، وهذا لأن الأشرار لا يظنون بالناس كلهم إلا الشر، فمهما رأيت إنساناً سيء الظن بالناس طالبًا للعيوب؛ فاعلم أنه خبيث الباطن وأن خبثه يترشح منه وإنما رأى غيره من حيث هو، فإن المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب، وكما عند الغزالي المؤمن: سليم الصدر في حق كافة الخلق، وهذا من معايير القدوات التي يجب الحرص عليها والعمل على تكوينها وبناء أسس أركانها، وقد نصح أحدهم ابنه فقال يا بني: إن الملك والعدل إخوان لا غنى لأحدهما عن الآخر فالملك: أسس " أساس " والعدل حارس ، والبناء ما لم يكن له أسس فمهدوم والملك ما لم يكن له حارس فضائع ، اجعل حديثك مع أهل المراتب وعطيتك لأهل الجهاد، وبشرك لأهل الدين وسرك لمن عناه من ذوي العقول، وعن سؤال لبعضهم: بم سدت قومك؟ فقال: أنا لست بسيدهم ولكنني رجل أعطيت في نائبتهم وحلمت عن سفيههم، وشددت على يد حليمهم، وعطفت على ذلة الخلة منهم، فمن فعل فعلي فهو مثلي، ومن قصر فأنا أفضل منه ومن تجاوزني فهو أفضل مني، وقد جاء الجواب عن سؤال بشأن الإخوة من هم: بأن الإخوان الثلاثة؛ أخ كالغذاء يحتاج إليه كل وقت، وأخ كالدواء يحتاج إليه أحيانا، وأخ كالداء لا يحتاج إليه أبداً، وقد قال أحد الخلفاء لابنه ناصحًا: إن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعيّة لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه، ثم قال: يا بني استدم النعمة بالشكر والقدرة بالعفو والطاعة بالتأليف والنصر بالتواضع والرحمة للناس ولا تنس نصيبك من الدنيا ونصيبك من رحمة الله، وقد تمثل ذلك بتقدير الاختيار الصحيح بين متعددات مهمات لا يقل أحدهم عن الآخر شأنًا، إلا أن التوازن في المعالجة قد أنقذ الجميع لحسن الجواب مع عمق الاختيار، وذلك عندما قيل لامرأة أسر زوجها وابنها وأخاها، فقال الآسر: اختاري واحداَ منهم لإطلاق سراحه، فقالت: كلهم أعزاء ولهم قدر عندي لكن الزوج موجود والابن مولود والأخ مفقود، فقال الآسر: اختارت المفقود، وعفوت عن جماعتها لحسن كلامها، وهذا يعني عمق النظر والقدرة على التعامل مع الموافق بحكمة وزيادة مسؤولية، وفي هذا يتمثل لدى الطرفين القدوة مع العدل وحسن الفهم وتدارك المواقف، ويمثل الملاحظ في ذلك طبيعة القدوات وأهميتها في حصول المراد ودون تخبط أو ابتعاد عن تحقيق الغايات والمصالح المطلوبة.