الجمعة: 22/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

رسالة مفتوحة الى حسين الشيخ

نشر بتاريخ: 22/02/2022 ( آخر تحديث: 22/02/2022 الساعة: 12:29 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

عرفت حسين الشيخ في الثمانينيات، حين التقينا في نفس عنبر السجن ، وكان يمضي حكما لعشر سنوات وتولى مناصب في قيادة فتح في السجون . وكلفته الحركة ان يكون المفاوض مع السجانين من اجل تسيير حياتنا كأسرى . ونجح الى حد كبير في تجنيب الاسرى الكثير من الألام .

في الانتفاضة الأولى لم يكن الفلسطينيون يطلبون سوى رحيل الاحتلال ، وانتصرت الانتفاضة . وقبل رحيل الاحتلال عن مناطق في فلسطين عام 1995 ، وبالذات عن غزة واريحا . بدأت إسرائيل مفاوضات عبثية مع منظمة التحرير اعتمدت على الخداع العقلي والسيكولوجي للفلسطينيين .

قال المفاوض الإسرائيلي للمفاوض الفلسطيني: ماذا تحتاجون لنساعدكم لتقيموا دولتكم الخاصة بكم؟

فوقع الفلسطينيون في الفخ بكل سذاجة. وبدأوا يطلبون من إسرائيل ترتيب حياتهم اليومية ويعرضون مشاكلهم التي سببها الاحتلال على طاولة المفاوضات (المياه – الكهرباء – المعابر - النفايات – الانتقال من مدينة الى أخرى – سجل السكان – الإسعاف – الدفاع المدني .... ) وقائمة لا حصر لها من الاحتياجات اليومية التي تلزم كل مجموعة سكان في العالم .

الفلسطينيون الذين قاموا بالانتفاضة الأولى لم يكن في خلدهم سوى رحيل الاحتلال. ولكن الاحتلال تلاعب عقليا بالمفاوض الفلسطيني من خلال ما يسمّى ( خلق الحاجة ) وبالفعل بدأ المفاوض الفلسطيني بسرد احتياجاته طالبا من الاحتلال مساعدته وهذه سقطة لا تغتفر .

والاصل ان الفلسطينيين لا يحتاجون من الاحتلال أي شيء. وبالمعنى الحرفي للكلمة لا يحتاج الفلسطينيون من الاحتلال أي شيء سوى ان ينصرف عن ارضنا وليخرج من حياتنا.

الاحتلال خلق الوهم في عقولنا لدرجة يعتقد فيها البسطاء اننا لا نستطيع العيش من دون تنسيق مع الاحتلال لإدارة حياتنا. وصار كبار السياسيين ومن أعلى الهرم السياسي يعتقدون اننا نحتاج الاحتلال ، ونحتاج منه ان يساعدنا في إدارة جميع نواحي العمل اليومي . ورويدا رويدا صار هذا الاعتقاد المريض لازمة تتكرر في كل حديث سياسي رسمي وشعبي: اننا مضطرون للطلب من الاحتلال تحويلات طبية وعلاج واستيراد وتصدير وطعام ودجاج وبيض وبطاطا وشكشوكة وبطيخ !!!!

ولم يعد هناك من يقول: لا نريد منكم شيئا. انصرفوا عنا.

من يقول ان الفلسطيني يحتاج الإسرائيلي العنصري في حياته فهو غافل سياسيا ، ولا يعرف انه وقع في فخ الاحتلال .

وها قد وصلنا الى مرحلة يعتقد البعض فيها ان الطفل الفلسطيني وقبل أن يولد من بطن امه يحتاج الاحتلال والتنسيق المدني من أجل ان يعيش !

هذه هي الهزيمة السياسية بعينها .

لو كنت مفاوضا فلسطينيا أمام إسرائيل ، وسألني الضابط الإسرائيلي ماذا يحتاج شعبك لنساعدكم ؟

ولكانت اجابتي واحدة لن تتغير : لا نحتاج منكم شيئا ، ولن نحتاج منكم أي شيء في المستقبل . انصرفوا واخرجوا من حياتنا فورا .

ولو رفض الإسرائيلي هذا الكلام . تنتهي المفاوضات . ولا داعي لمواصلتها .

أخي حسين الشيخ .. أبو جهاد

انت الان على درب الالام، والاعلام الإسرائيلي يمزق لحمك ويطحن عظمك كل يوم ، من خلال تقارير تستهدفك وتستهدف وعي شعبنا .

الغالبية العظمى بين الفلسطينيين لا تؤيد المفاوضات مع الاحتلال ، ولا تثق بالأحزاب الصهيونية . ومعها كل الحق في عدم الثقة بنظام ابارتهايد عنصري مأفون .

كان د.صائب عريقات صديقي ، وكان يعاني من عنصرية الاحتلال ويشرح لي بأدق التفاصيل كيف ان اسرائيل تعمل على قتل المفاوضات عن عمد ، وتتقصّد احراج القيادة الفلسطينية امام شعبها .

لا يوجد عائلة لا تطلب لم الشمل لأن هذا حق من حقوقها ، ولا يوجد عامل لا يريد عملا شريفا ، ولا يوجد مريضا لا يطلب العلاج .

ولو كانت السلطة نجحت في بناء مشافي متخصصة لما طلب أي فلسطيني تحويلة طبية لإسرائيل ، ولو كانت السلطة أٌقامت مناطق صناعية للعمل لما وجدت مئات الاف العمال يطلبون تصاريح لورشات إسرائيل ، ولو كان المفاوض الفلسطيني الأول عمل على نفسه بشكل وطني جيد لما غرقنا في كل هذه الاحتياجات التي لا نهاية لها .

الأمانة ثقيلة ، والبوصلة واضحة ، والمشروع الوطني كله في خطر ، والإحباط يرتفع كل يوم ..

كان الله في عونك .