الكاتب: السفير مناويل حساسيان
في 26 مايو، كتب السفير الإسرائيلي لدى الدنمارك (بيني داغان)، عمودًا في صحيفةBerlingske ، يشن من خلاله هجوم مباشر على صحيفة Politiken الدنماركية، والذي يمكننا وصفه بحملة تشويه وهجوم مباشر على الإعلام الحر في مملكة الدنمارك، والتي تؤدي دورها المهني من خلال وصفها الواقع ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي الممارس، لقد اصبح هناك تغيير في الفضاء الاعلامي العالمي، بدأ الجمهور يرى بوضوح اكثر لممارسة إسرائيل فصلها العنصري، وأصبح الستار الدخاني الاسرائيلي يتلاشى، والاكاذيب فضحت بلا شك .
لست متفاجئًا من ردود فعل السفير (بيني داغان) العدائية اتجاه الصحيفة، لاننا تعودنا من اسرائيل على هذا النهج، وتسمياتها مثل معاداة السامية حينما يكون النقد الإعلامي دقيقًا وواقعيًا ويصف ممارساتها على أنه نظام فصل عنصري، واعتبرت أن ما يجري هو مصدر قلق خطير كما وصفته صحيفة Politiken، لذلك أتفهم إحباط السفير دغان، ولكن أن الاوان لاسرائيل أن تستيقظ من سباتها العميق ومواجهة الحقائق من حولها، بأنها اصبحت نظام فصل عنصري يقوم على نظام التطهير العرقي المنهجي بأضطهاد الفلسطينيين من خلال استخدامه القوة وسنه تشريعات تمييزية، لذلك اسرائيل بحاجة إلى تغيير نهجها وأن تصحح مسارها، علماً أن ذلك من سابع المستحيلات.
دعونا لا ننسى إن السبب الحقيقي لأطلاق الهجوم الأخير على قطاع غزة هو بسبب عملية التطهير العرقي الواسعة النطاق التي تنتهجها اسرائيل ضد الفلسطينيين، كما حصل ويحصل في حي الشيخ جراح وتهجيرها قصراً 78 عائلة فلسطينية من منازلهم في منطقة تقع في قلب القدس الشرقية المحتلة، علاوة على ذلك ما يتعرض له المسجد الأقصى المبارك يومياً لنفس السلوك التمييزي الإسرائيلي. الى يومنا هذا دون تدخل المجتمع الدولي.
على مدى عقود، اتبعت الحكومة الإسرائيلية من خلال سلطات البلدية في القدس الشرقية هذه السياسات التي تهدف إلى زيادة الوجود الديموغرافي اليهودي في المدينة والان هي أصبحت في باب الجديد والخليل، وتقييد النمو السكاني للمجتمع الفلسطيني، حيث قادت الجماعات اليمينية والمستوطنين بدعم من الحكومة الإسرائيلية، الجهود المبذولة لزيادة الوجود الديمغرافي اليهودي في قلب القدس الشرقية من خلال طرد الفلسطينيين من منازلهم واراضيهم - كما يحصل في الشيخ جراح وحي البستان وسلوان والنقب.
في واقع الامر هذا يعني توسيع حدود القدس وبناء مستوطنات يهودية شرقي المدينة، ويتم تنفيذ ذلك من خلال قانون تمييزي إسرائيلي ينص على أنه يحق لليهود المطالبة بممتلكاتهم في القدس الشرقية قبل عام 1948. إلا أن هذا القانون لا ينطبق على الفلسطينيين، لذلك يتعارض هذا القانون بشكل صارخ مع القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، حيث تم مؤخرا تهجير 14 عائلة قسراً من منازلهم واستبدلوا بالمستوطنين الإسرائيليين، كما وهناك 175 عائلة أخرى مهددة ومعرضة لخطر فقدان منازلهم نتيجة لهذا القانون العنصري، تزامن ذلك مع اعتداءات قوات الأمن الإسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين في المسجد الأقصى المبارك في منتصف رمضان الذي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.
كما ويهاجم السفير دغان باستمرار "اليسار السياسي" في الدنمارك ، الذي على حد تعبيره "معروف لهم انتقاده الواسع النطاق والمستمر لإسرائيل وعدم إدانته حماس "علماً أن جميع الأحزاب السياسية في الدنمارك تدين حماس، لا يوجد شيء جديد في ذلك.
هنا يجب التأكيد على السفير دغان بأن انتقاد إسرائيل اصبح يأتي اليوم من جميع أركان البرلمان الدنماركي، ناهيك عن المجتمع الدولي وقرارات هيئة الأمم المتحدة.
في 27 مايو 2021، توصلت أغلبية كبيرة في البرلمان الدنماركي إلى اتفاق للعمل بنشاط لوقف الحصار الإسرائيلي الغير القانوني على قطاع غزة ودعم قيام تحقيق مستقل في جرائم حرب ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، هذه الأغلبية لم تتكون فقط من "اليسار السياسي" كما يشيراليهم ويسميهم السفير بيني دغان، على العكس تماماً من ذلك، فقد شمل الاتفاق حزب الشعب الاشتراكي، حزب الليبراليين الاجتماعيين، تحالف الخضر الحمر، الاشتراكيين الديمقراطيين، الحزب الليبرالي، حزب الشعب المحافظ والتحالف الليبرالي. هذا اتفاق شمل جميع الاحزاب الدنماركية، واللافت للنظر انها شملت الأحزاب التي كانت في السابق تميل إلى الاستسلام لآلة اللوبي والدعاية الإسرائيلية، لكن الأحداث الأخيرة في فلسطين، وخاصة في غزة وفي مدينة القدس، كشفت إسرائيل على حقيقتها، بأنها نظام الفصل العنصري والنظام المارق، هذا هو السبب في أن المزيد من الأحزاب في البرلمان الدنماركي دعت الأشياء بأسمائها الحقيقية، في الواقع ليست البرلمانات والحكومات فقط هي التي بدأت في رفض الدعاية الإسرائيلية واعتبارها مجرد مجموعة من الأكاذيب، لكن المثير للاهتمام أن من اليهود اتفسهم وحتى جنود اسرائيليين مسرحين وجنرالات متقاعدة اصبجوا يظهروا على الملاء في كل مكان لإبعاد أنفسهم عن إسرائيل ونظامها العنصري، خصوصاً خلال العدوان الإسرائيلي الاخير، إنهم ببساطة يرفضون إسرائيل كممثل للشعب اليهودي، علماً أنه أمر طالما تباهت به إسرائيل وحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة والمستمرة في عهد بينيت، إذ لم يعد من الممكن إدامة الرواية الإسرائيلية المضللة، خصوصاً في عالم اصبح يتم فيه توثيق العنف والقمع على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى وإن دمرت اسرائيل المبنى الذي يضم وسائل الإعلام الدولية خلال قصفها الاخير لقطاع غزة، فإن الحقيقة ستتسرب لامحال عبر العديد من القنوات المرئية والافتراضية الأخرى، وبالتالي فبركات إسرائيل للأكاذيب اصبحت مكشوفة والستار الدخاني يتلاشى الى مزبلة التاريخ.
هل أصبحت فلسطين مشطوبة من الجغرافيا بسبب الفصل العنصري ؟
الجواب كلا، لأن جغرافية فلسطين موجودة منذ الاف السنين وهويتها مثبتة بدماء شهدائها واسراها ونضالات شعبها، ولا شك بأن التاريخ سينصف هذا الشعب، وإن لناظلره لقريب.