الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حق الأسير في رعاية حالته الاجتماعية في التشريع الإسلامي والقانون الدولي

نشر بتاريخ: 01/03/2022 ( آخر تحديث: 01/03/2022 الساعة: 09:03 )

الكاتب:

د. سهيل الأحمد

يتجلى الحفاظ على الحالة الاجتماعية للأسير من خلال مظاهر منها عدم جواز التفريق بين أم وولدها الطفل، ولا بين الأب وولده الصغير الذي لا أم له، حيث استند الفقهاء في ذلك إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة"، وفي هذا المقام نبه الفقهاء إلى أنه حتى لو رضيت الأم بالتفريق بينها وبين ولدها؛ فإن ذلك لا يجوز لأمرين، أولهما: أن ذلك وإن بدا للمرأة أنه ليس فيه إضرار بها في الحال؛ فإن الإضرار متحقق في الغالب في جانب الولد؛ ولأجل رعاية حق الولد في الدفء العاطفي الذي يحققه وجوده بجوار أمه لا يجوز التفريق، وثانيهما: لأن المرأة قد ترضى بأمر فيه ضرر لها ثم يتغير قلبها بعد ذلك فتندم على ما اتخذت من قرار.

ومن المكروه كذلك عند بعض الفقهاء أن يفرق بين الأخ وأخيه، وبين الأخ وأخته، بل قد يحرم ذلك عند بعضهم كالتفريق بين الوالدة وولدها الطفل. لقول أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، وَبَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ".

ومن مظاهر رعاية الحالة الاجتماعية للأسير في التشريع الإسلامي كذلك إجازة اتصاله بأهله وذويه لأهداف اجتماعية وأسرية، حيث يتفق هذا المظهر مع روح الشريعة الإسلامية وقيمها السامية، والمباديء الموضوعية التي تدعو إليها، ودليله ما جاء عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: "لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ؛ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ لِخَدِيجَةَ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا فَافْعَلُوا، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَطْلَقُوهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا". فعندما سمح الرسول صلى الله عليه وسلم لأسرى بدرٍ بالاتصال بأهلهم، وإرسال فدائهم؛ أرسلت ابنته زينب قلادتها لفداء زوجها، فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم القلادة؛ قال للصحابة الكرام: "إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا فَافْعَلُوا".

وقد نصت المادة (70) من اتفاقية جنيف الثالثة على أنه: "يسمح لكل أسير حرب، بمجرد وقوعه في الأسر أو خلال مدة لا تزيد علي أسبوع واحد من تاريخ وصوله إلي المعسكر، حتى لو كان هذا المعسكر انتقاليًا، وكذلك في حالة مرض الأسير، أو نقله إلى مستشفي، أو إلى معسكر آخر، بأن يرسل مباشرة إلى عائلته من جهة، وإلى الوكالة المركزية لأسرى الحرب ... من جهة أخري...لإبلاغها بوقوعه في الأسر وبعنوانه وحالته الصحية، وترسل هذه البطاقات بأسرع ما يمكن ولا يجوز تأخيرها بأي حال. وفي نص المادة (71): "يسمح لأسرى الحرب بإرسال واستلام الرسائل والبطاقات. وإذا رأت الدولة الحاجزة ضرورة تحديد هذه المراسلات، فإنه يتعين عليها السماح علي الأقل بإرسال رسالتين وأربع بطاقات كل شهر..."