الأحد: 17/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

لا أفق إلا لبرنامج نضال كفاحي يوحد الفلسطينيين

نشر بتاريخ: 02/03/2022 ( آخر تحديث: 02/03/2022 الساعة: 23:52 )

الكاتب:



بقلم د. مصطفى البرغوثي

لا تترك تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أي مجال للشك، بأن الأفق السياسي لما يسمى "المفاوضات" و "حل الدولتين" و "اتفاق أوسلو" مغلق بالكامل، وأن العلاقة الوحيدة التي يريدها حكام إسرائيل مع السلطة الفلسطينية، هي فقط التنسيقان الأمني والاقتصادي، من دون أي تحسين اقتصادي للفلسطينيين، رغم كل المزاعم والتصريحات المخادعة.
وكما صار واضحاً لا أفق للمراهنة على أن إدارة الرئيس الأمريكي، بايدن، وهذه معلومات مؤكدة من مصادر موثوقة تماماً، وليست تقديرات، لا تضع القضية الفلسطينية والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ضمن جدول أولوياتها، بل تنشغل بخلافاتها الإستراتيجية مع الصين وروسيا، وتحاول على المدى القريب الانتهاء من ملف تجديد الاتفاق النووي مع إيران لتتفرغ لما تسميه التحديات الإستراتيجية، ولا يبقى، بعد ذلك، سوى تصريحات عابرة، تلمح بخجل إلى "حل الدولتين" دون أي التزام بالضغط على إسرائيل، مع مواصلة تبني سياسة الحرص الشديد على عدم التعرض للحكومة الإسرائيلية بحجة هشاشتها، وقابليتها للانهيار، بل هناك اشتباه يتكرر، بأن الإدارة الأمريكية عقدت تفاهماً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، بألا يقف في وجه الاتفاق مع إيران، مقابل عدم تعرض الإدارة الأمريكية للموضوع الفلسطيني، أو اتخاذ أي إجراءات فعلية ضد الاستيطان.
وللأسف الشديد جاء اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير، ليضيف مزيداً من الخلافات للساحة الفلسطينية، بدل أن يكون، بالحوار الوطني البناء، فرصة لإعادة شق طريق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، ولم يظهر بعد اجتماع المجلس، على الرغم من الدعوات إلى تأجيله، ما يدعو إلى لاعتقاد بأن قراراته، وقرارات المجالس السابقة، ستنفذ، بل أنها أحيلت كالعادة للجنة التنفيذية لوضع ما سمي "بآليات التنفيذ".
وترافق ذلك مع تصريحات لمسؤولين فلسطينيين بمنح مهلة جديدة حتى نهاية أيلول القادم، قبل التفكير في تنفيذ أي من القرارات والتهديدات، التي تتحول إلى مجرد حبر على ورق.
لا يمكن للمراوحة في المكان، ومواصلة سياسة انتظار الفرج من الآخرين، أن تؤدي إلى أي تغيير جدي في الوضع القائم، و/ أو وقف ما تقوم به إسرائيل من استيطان وضم وتهويد تدريجي، وتطبيق فعلي لصفقة القرن، ومحاولاتها استغلال حالة الانقسام والتطبيع العربي، لتعميق الاختلال في ميزان القوى لصالحها.
ذلك كله يجري في ظل ثلاثة ظواهر مهمة للغاية:
أولها تعاظم روح النضال الكفاحية لدى الشعب الفلسطيني، وخاصة لدى الشباب، ليس في الأراضي المحتلة عام 1967 فقط، بل وفي الداخل (أراضي 1948) أيضاً.
وثانياً الانخراط المتعاظم للشباب الفلسطيني في الخارج في مواجهة اللوبي الصهيوني، وفي دعم حركة المقاطعة وفرض العقوبات، والاستعداد العالي لدى الجاليات الفلسطينية للاندماج في النضال الفلسطيني.
وثالثاً، تعاظم فرص عزل حكام إسرائيل، بفضل وسمها بنظام الاضطهاد والتمييز العنصري (الأبارتهايد)، وعدم قدرة اللوبي الإسرائيلي على نفي صفة الأبارتهايد، رغم كل ما يقوم به من محاولات.

وبدل مواصلة سياسة الانتظار، والتعلق بأوهام فرص المفاوضات، تنشأ موضوعياً قناعة عميقة، بضرورة مواجهة الأمر الواقع الإسرائيلي بأمر واقع فلسطيني، وتفعيل النضال والمقاومة الوطنية على الأرض، ما سيلهب ويصعد نشاطات التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية بما في ذلك حركات عزل ومقاطعة نظام الابارتهايد والاحتلال والتمييز العنصري.
وما من شك، أن إسرائيل تحاول فرض هيمنتها عبر تكريس الحصار الشامل على قطاع غزة، وفرض سلطتها على كامل مناطق الضفة الغربية دون أدنى اعتبار للاتفاقيات التي خرقتها منذ زمن بعيد، وذلك ما تعنيه عمليات اقتحام المدن الفلسطينية، بما في ذلك عملية الاغتيال الإجرامية للمناضلين الثلاثة في قلب مدينة نابلس.
وفي وضع كهذا يغدو الصراع على السلطة عديم المعنى بحكم كونها، بكل أجزائها، مثل الشعب الفلسطيني، تحت الاحتلال، ويصبح النضال المشترك، هو الأداة الفعّالة، كما جرى سابقاً خلال الانتفاضة، لبناء وحدة وطنية قادرة ودائمة.
ولعل العبرة الكبرى من تجربة ثمانية وعشرين عاماً بعد توقيع اتفاق أوسلو، أن أكبر الأخطاء، غير توقيع الاتفاق نفسه، كان احتواء منظمة التحرير الفلسطينية من قبل السلطة، ودمج العمل الوطني والكفاحي بهياكل السلطة التي بقيت تحت الاحتلال، محكومة بقواعد اتفاق ظالم، يخرقه الاحتلال كيفما أراد وأينما أراد.
ولذلك فان المخرج الحقيقي من الوضع القائم، والاختلال في ميزان القوى، والانقسام الداخلي المؤسف، والخلافات التي تتفاقم، هو الاتحاد حول برنامج نضال وطني كفاحي، يجمع بين كل مكونات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج والأراضي المحتلة، ويعيد الهيبة لحركة التحرر الوطني ، وذلك يتطلب أيضاً إعادة النظر جذرياً في وظائف السلطة الفلسطينية وإنهاء هيمتنها على منظمة التحرير ومكوناتها.
ويتطلب الوصول إلى ذلك كله يتطلب التوافق على ثلاثة شروط أساسية :
أولاً :​أن قاعدة الوحدة هي البرنامج الوطني الكفاحي.
وثانياً :​أن النجاح مشروط بالقبول بمبدأ الشراكة الديمقراطية ومنع أي شكل من التفرد، والقبول بمبدأ أنشاء قيادة وطنية موحدة للشعب الفلسطيني، ومكانها الطبيعي منظمة التحرير الفلسطينية المتحررة من قيود السلطة.
وثالثاً :​الاعتراف بحق الشعب الديمقراطي وتطبيقه من خلال انتخاب قياداته للمجلس الوطني والتشريعي والرئاســة.
هناك تحديات، وهناك فرص عظيمة، ولكن الأفق الوحيد المتاح هو لبرنامج وطني كفاحي يعيد توحيد الفلسطينيين كافــة.