الكاتب:
الكاتبة : د. غادة أبو ربيع
استميحكن عذراً يا نساء العالم ...فأنا كامرأه فلسطينية أعيش في مدينة القدس المحتلة عندما أرى نساء العالم يحتفلن بيوم الثامن من آذار .. اتسآءل في نفسي: ما مبرر احتفالهن بهذا اليوم.
فانا وبصدق أقول وبلا تعصب إنما أرى بأننا نحن الفلسطينيات من نستحق أن يُحتَفى بهن ... ليس فقط في الثامن من آذار، إنما على مدار العام.
المرأة الفلسطينية بشكل عام والمقدسية بشكل خاص ليست كباقي النساء اللواتي يعشن في وطن حر، ووحدة جغرافية واحدة تمكنهن من التواصل الاجتماعي، والانفتاح على العالم....
فالمرأة الفلسطينية في القدس المحتلة معزولة اجتماعياً وجغرافياً عن مجتمعها وعائلتها، بسبب سياسات وقوانين، وإجراءات وممارسات عنصرية يمارسها الاحتلال الإسرائيلي، و تطبق عنوة عليهن في المدينة المقدسة.
فعذراً يا نساء العالم...
من منكن تعاني من قانون ظالم يُدعى "قانون مركز الحياة" الذي يُقصد به وفقاً للثقافة والقانون الإسرائيلي هو أن يثبت الفلسطيني مركز إقامته المكانية داخل حدود مدينة القدس، وهي الحدود التي رسمتها بلدية الاحتلال الإسرائيلي على اعتبار أن مدينة القدس هي حيز مكاني يقع تحت هيمنة الاحتلال الإسرائيلي، ينتهي بها المطاف أن تعيش في غرفة واحدة لتبقى صامدة ومُرابطة حفاظاً على إقامتها في القدس.
من منكن تُعاني من قانون لم الشمل الذي يحرمها من اللقاء والتوحد مع زوجها وأبنائها كأسرة واحدة في بيت واحد تحت سقف واحد في نفس المدينة، وحرمانها من أبسط حقوقها كالزواج من شاب فلسطيني يحمل الهوية الفلسطينية كما تحرم من زيارة أهلها الذين يفصلهم عنها جدار فصل عنصري غاشم يلتف حولها كأفعى سامّه
من منكن أم وزوجة وابنة ومرابطة وموظفة في آن واحد؟؟؟
من منكن قدّمت ابنها شهيداً وودعته بالزغاريد؟؟
أو جريحاً أو أسيراً وما زالت صابرة محتسبة مناضلة.
من منكن ما زالت تنتظر تسليم جثمان ابنها أو زوجها أو أخيها الشهيد المحتجز في ثلاجات الاحتلال.
من منكن زوجة أو أم لطفل، تحت الإقامة الجبرية في منزله لعدة شهور، وتحول بيتها لسجن صغير، ودورها الضمني إلى سجانه ومراقبة عليهم خوفا عليهم.
من منكن هُدم بيتها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، أو هدمت هي بيتها وحلم أسرتها بأكملها بيدها ويد زوجها وأبنائها مُجبرة ومرغمة بهدف تخفيف الخسائر المادية على الأسرة، ولكن الضرر النفسي والاجتماعي يفوق تلك الخسائر بكثير ولا يوصف.
من منكن تعيش في صراع وقلق دائم بسبب التهديد بإخلاء وسرقة بيتها من قبل قطعان المستوطنين الذين توفر لهم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الحماية والدعم.
من منكن تعاني من الاحتكاك المباشر واليومي مع جنود الاحتلال، وتعيش في خوف وقلق دائم على أبنائها.
من منكن زوجة لرجل مقدسي ممنوع أمنياً من العمل في مناطق الداخل الفلسطيني المحتل.
من منكن صادف بعد أربع سنوات من التعليم في الجامعة أن يقال لها بأن شهادتك غير معترف بها، كونها صادرة عن جامعة فلسطينية لا يعترف الاحتلال بقانونيتها، فينتهي بها المطاف لتقف في طابور مكتب العمل الإسرائيلي، تحت أشعة الشمس الحارقة أو الأمطار والبرد القارس لساعات طويلة، وتتعرض لكافة أنواع الضغوطات النفسية والابتزاز من أجل البحث عن عمل لا يمت بصلة لمهاراتها أو لمستواها الأكاديمي، فنجدها مرغمة علة قبول أن تعمل عاملة تنظيف في إحدى المستشفيات أو الفنادق أو الأسواق الإسرائيلية، حتى تتمكن من سد احتياجات أسرتها، بسبب الغلاء الفاحش للمعيشة في مدينة القدس المحتلة.
من منكن ما زالت ترابط في باحات المسجد الأقصى، وعلى بواباته، وترابط في حي الشيخ جراح، وسلوان، وجبل المكبر..
من منكن ضربت واعتقلت وتم الإعتداء عليها من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي
ومع ذلك ورغم كل ذلك لم ينضب عطاء هذه المرأة وتفاجئنا في كل يوم بعمل وإنجاز رائع تستحق عليه الاحترام والتقدير.
فلا أجد أجدر منها من نساء العالم للإحتفال بهن بهذه المناسبة
فعذراً يا نساء العالم ..... المرأة الفلسطينية في مدينة القدس هي من تستحق أن يَحتفي بها العالم يومياً وعلى مدار العام، وليس فقط في الثامن من آذار.
فليكن شعارنا في هذا اليوم .. دعم وصمود المرأة الفلسطينية في مدينة القدس المحتلة
فيا أسيراتنا الماجدات
ويا كل أم، وزوجة أسير وشهيد وجريح ومُبعد
إلى كل أم وهبت حياتها من أجل سعادة أبنائها
وكل زوجة وفية لزوجها وأسرتها ووطنها
وكل أم لم تبنِ سعادتها على حساب سعادة أبنائها
لأزواجكن، وأولادكن، والوطن، وأحرار العالم أجمع. كل عام وأنتن مصدر فخر واعتزاز .. كل العام والمرأة الفلسطينية الخير كُله.