الكاتب:
محمود الراس
إن النضال من أجل تحرير المرأة من القيود والظلم الذي تتعرض له مهمة وطنية وديمقراطية تقع على عاتق الجميع وعلى رأسهم القوى الوطنية والديمقراطية في فلسطين وعلى طول خطوط الشتات الفلسطيني، وهذا الاستحقاق الهام له علاقة جدلية لا يمكن فصله عن باقي المهام التحررية بشقيها الوطني والديمقراطي، بل ضرورة وطنية وإنسانية واجتماعية، لا يمكن أن تتحقق فيها الأهداف الوطنية والديمقراطية بدونها.
كانت وما زالت المرأة الفلسطينية ضحية الإرهاب الاستيطاني الصهيوني المنظم والمتواصل الذي استهدف الوجود الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، والقمع الدموي السافر والهجوم السياسي والأيديولوجي و"الثقافي الصهيوني الذي جعل الانقسام ورواسب الموروث الشعبي والعشاىري " المنظم والمتواصل أحد أهم أدواته في استهداف المرأة بوجودها ومكانتها وانسانيتها والكثير من المكتسبات التاريخية من الحقوق والحريات، بفعل شراكتها الميدانية والسياسية والنضالية عبر محطات النضال الوطني الفلسطيني في مقاومة الاحتلال ومعارك الثورة الكفاحية والشعبية والاجتماعية .
كما أن المرأة وقعت فريسة للنزعات الذكورية والبطريركية التي تعاملت بدونية معها وحقوقها، فهمشتها واضطهدتها على الدوام .
وللأسف تستمر هذه "الثقافة" اليوم لا بسبب كونها "ثقافة و"علاقات" موروثة فحسب، بل بسبب الأزمات السياسية والاجتماعية القائمة الراهنة التي تسببت بها جماعات المصالح ومراكز النفوذ ومكانيزمات الانقسام والحصار، ومحاولات أدلجة العلاقات الإنسانية والقوانين الناظمة لها بمصالح هذا الفريق أو ذاك، مما ساهمت في إعادة انتاجها كجزء من استراتيجيات الصراع على السلطة، وفي قلب هذه الازمة عانت المرأة من سياسات التهميش والاستهداف، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة المرتفعة وسياسات الإفقار والتجريف لمقومات النهوض الاجتماعي والوطني، وغياب المؤسسات التشريعية والديمقراطية، والاستبداد الذي مارسته وتمارسه قوى السلطة، وتزايد معدلات العنف ضد المرأة، واستمرار السطوة العشائرية، وتعثر المشروع الوطني التحرري، والهروب الجمعي من مقومات وثقافة التحرر والحقوق والحريات من المرأة ذاتها اتجاه الحرية الشكلية على حساب المضمون. جميعها عوامل جعلت من المرأة وحقوقها ضحية دائمة للعنف والتعدي على الحقوق والحريات والمكتسبات التي راكمتها على مدار عقود من النضال.
ولم تكن المرأة خارج فلسطين بمنأى عن تلك المفاعيل التي عظمت من ارتداداتها على حياتها بالمنافي ومحارق المخيمات وسياسات الاهمال والافساد الممنهج والموجه والممول من سفارات العدوان على شعبنا وهويته الوطنية التي وجهتها الهجمات الامبريالية والصهيونية وحلفائها من قوى رجعية استخدمت الأفكار العدمية والجريمة المنظمة لممارسة اقسى اشكال العنف الاجتماعي والحياتية والسياسية اتجاه المرأة الفلسطينية التي مثلت نصف تعداد الشعب الفلسطيني بهدف التصفية والتعطيل لكل مفاعيل المشروع الوطني الفلسطيني
في ظل هذه الظروف والأجواء استمرت جريمة استهداف المرأة بشقيها المادي والمعنوي والتنكيل بها واجبارها على الانتحار بشتى الاشكال أو اجبارها على العيش في حالة من اليأس والإحباط، سواء من قبل الاحتلال وحلفائه، أو من المجتمع المحلي من الأزواج والاقارب أو من شتى الأصناف والانتماءات وبشكل يومي.
أصبحت هذه البشاعات بحق المرأة ظاهرة منتشرة في عموم المشهد وبصور مختلفة وغريبة حتى عن الموروث الشعبي والثقافي لشعبنا في كثير من الأحيان، فحال المرأة اليوم هو جزء لا يتجزأ من أزمة النظام السياسي الفلسطيني تلك الأزمة التي ضاعفت من تلك الظواهر التي برزت في صلب أجندة قوى السلطة وصراعاتها مما ساهم في خنق صوت المرأة وقمعها وتهميشها وتعزيز كل تلك الايديولوجيا والقوانين والقيم والتقاليد التي تستعبد المرأة.
كما أن قوى السلطة جعلت حتى من تلك الشابات المناضلات والثوريات اللاتي يتعرضن للاعتقال والأسر والمطاردة على يد الاحتلال هدفاً لحملاتها القمعية والتعسفية، أو سياسة التمييز بينها وبين المناضلين والأسرى، كما واجهزت على نضال جماهير النساء المضطهدات والشابات المناضلات والمرأة العاملة والكادحة المفقرة التي كانت تناضل وتشق طريقها إلى الأمام بشكل مستقل وتتصدى لمجمل هذا النظام السياسي والأيديولوجي الذي يعزز ويكرس اضطهادهن.
إن إحدى نقاط ضعف القوى التنويرية الثورية التقدمية عدم تمكنها من ترجمة وتجسيد راية وشعارات تحرر المرأة الكامل بوصفها احدى أهدافها الأساسية، وهذا الضعف هو ما يجب ان تتغلب عليها المرأة ومؤسساتها أولاً، والقوى والأحزاب الديمقراطية التقدمية ثانياً وكل الوطنيين المؤمنين بالحرية والتحرير والعودة طريقاً للكرامة والشراكة الوطنية والمجتمعية ثالثاً ومؤسسات التعليم المختلفة بمراحلها المختلفة كأحد أهم أدوات الموروث العشاىري المتخلف، وهو ما يتطلب إعادة صياغة لاستراتيجية المرأة وبرامجها النضالية التحررية والديمقراطية وأن نؤمن جميعاً بأن لا حرية ولا تحرير لمجتمع يخضع نصف طاقاته وممكناته الكفاحية والثورية بالاستبداد والتعطيل؛ فالقضية التي دفعت بالمرأة الى ساحة النضال الوطني والديمقراطي والعوامل التي دفعت بالقوى الثورية للإيمان بمكانة المرأة وضرورات تحررها لازالت باقية في مكانها، خاصة وأن الوطن لازال يعاني من احتلال عصابات الارهاب الاستيطاني الصهيوني، والاستبداد لازال جاثماً بأشكاله المتعددة والمركبة اتجاه شعبنا . وهو ما يستوجب التغير الثوري والديمقراطي باعتباره السمة السائدة والمستمرة في كل المراحل والميادين باعتبارها مهمة رىيسية من مهام التحرر الوطني
في الختام عاش يوم المرأة يوماً للمساواة والتحرر... عاشت نضالات المرأة الفلسطينية الشهيدة والأسيرة الأم والمقاتلة في كل الميادين
وكل عام وأمهاتنا وأخواتنا ورفيقاتنا والزوجة والابنة بكل الخير
*عضو اللجنة المركزية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين*