الكاتب:
محسن احمد
بعد أيامٍ قليلةٍ تدخل الحرب في اليمن عامها الثامن. حرر التحالف العربي وقوات مقاومة محلية العديد من المحافظات، لكن الحكومة الشرعية لم تفلح في تهيئة الأوضاع الطبيعية فيها، وظلت جماعة الحوثي المدعومة من إيران مسيطرة على بعض المحافظات بما في ذلك العاصمة اليمنية صنعاء، ولم تقدم أي نموذج يمكن اعتباره مستقرًا يوفر أبسط الخدمات للمواطنين هناك.
كان مشهد الفوضى والفساد وحده السائد في المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي على حدٍ سواء، بلغ التدهور الأمني أشده، ووسع الفساد نطاق سيطرته ليشمل جميع مؤسسات الدولة، وانتشرت العصابات والسباق على فرض الجبايات في مناطق سيطرة جماعة الحوثي من قبل قادة الأخيرة، بينما تسابق قادة القوات الحكومية في نطاق سيطرة الحكومة على نهب الأراضي، وإيرادات مؤسسات الدولة، والنفوذ، وخاضوا الاقتتال البيني من أجل ذلك، كما حدث على سبيل المثال لا الحصر في محافظة تعز.
لم يجد المواطن في هذه المحافظات لا الأمان ولا خدمات مؤسسات الدولة، وبمفرده ظل يتكبد المعاناة بصمت، منتظرًا موعد يتحرر فيه من المعاناة، لكنه لم يأتي، بينما كان ينتظر أصحاب رؤوس الأموال عودة البيئة المستقرة في المحافظات ذاتها، إلى درجة إفلاس بعضهم، والبعض على شفاء الإفلاس في الأثناء بسبب الجبايات المفروضة عليهم، وقلة القدرة الشرائية، وغياب الوضع الذي يساعدهم في استئناف نشاطهم الطبيعي من جديد.
اختلفت الحكومة وجماعة الحوثي في كل شيء، إلا فيما يتعلق بانتشال المواطن من الوضع الذي يعيشه. صحيح، ثمة تحديات تقف أمام الحكومة في ظل الحرب، لكنها لم تحاول أو تتجاوز حتى بضع تحديات يمكن أن تحسن من مستوى الوضع ولو في حده الأدنى. وهذه التحديات هي ذاتها التي واجهها المجلس الانتقالي الجنوبي في المحافظات التي يتواجد فيها بما في ذلك محافظة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد، وتمكن من تجاوزها.
خلق المجلس الانتقالي الجنوبي البيئة آمنة ومستقرة الى حد مقبول في المحافظات التي تواجدت فيها قواته ما حولها الى وجهة قبلة لمئات الالاف من اليمنيين الذين يبحثون عن الأمان والاستقرار وللتجار ورؤوس الأموال أيضا.
تمكن الانتقالي من تجاوز الفوضى، وساعد في إيجاد مؤسسات الدولة، ووفر البيئة الآمنة للنشاط الاقتصادي التي انتجت في الأخير، افتتاح العديد من المشاريع الاقتصادية كالمراكز التجارية، وزاولت الجامعات والمدارس وجميع المؤسسات الحكومية الأخرى بما في ذلك الميناء والجمارك مهامها بكل يسرٍ.
هي تجربة تستحق التأمل والوقوف عندها، لماذا أفلح الانتقالي الجنوبي في خلق حالة الاستقرار في المحافظات التي تواجدت فيها قواته، وأخفقت الحكومة في ذلك؟ تعامل المجلس الانتقالي مع خدمات المواطن كهدفٍ أساسيٍ في مشروعه، وبالتالي، كان في سلم أولوياته التي يجب تنفيذها عاجلًا، ومثله أيضا، كان هناك نموذج أخر، أوجدته المقاومة الوطنية التي تتواجد في الساحل الغربي اليمني بما في ذلك مدينة المخا، هناك كان هناك حالة من الاستقرار والوضع الطبيعي الذي ينعكس على وضع المواطن، بينما تعاملت الحكومة مع خدمات المواطن كهدف ثانوي، وبالتالي، أخفقت في إشاعة المناخ المناسب الذي يقدم صورة الدولة الحقيقية ويوفر الخدمات التي يجب إيجادها.
بذلك، عزز المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية من رصيدهما الشعبي، وكان السر وراء الحاضنة الشعبية الكبيرة التي تحتشد إلى جوارهما، وكانت عاملًا في تقوية نفوذهما السياسي، وحصد المكاسب السياسية، وتلك هي نتيجة طبيعية في اعتقادي، لأن المواطن بقدر ما يؤمن بالمشاريع السياسية فإنه يبحث أيضا عن توفير الخدمات له والوقوف إلى جانبه.