الكاتب: وسيم علاونة
فكره الاتصالات والتواصل الفلسطيني مع المجتمع الاسرائيلي ليست بالفكره الجديدة، الفكرة تعود الى حقبة السبعينات اي أنها سبقت تشكيل لجنة التواصل في العام 2012 بقرار من الرئيس محمود عباس. الرئيس ابو مازن يؤمن بالتسوية السياسية ويدرك اهمية التواصل مع الاسرائيلي كوسيلة لايصال الصوت والرؤية الفلسطينية بشكل مباشر على من خلال تبني مفهوم "اسمع مني ولا تسمع عني" بالاضافة الى رغبته في دعم معسكر الاعتدال في المجتمع الاسرائيلي والبحث عن قوى سياسية اسرائيلية تعترف وتساند الحق الفلسطيني وتعارض الاحتلال الاسرائيلي لاراضي الضفة الغربية وقطاع غزة واثارت النقاش حول السلام وانهاء الاحتلال في المجتمع الاسرائيلي وتجاوز الاصوات المتطرفة داخل هذا المجتمع.
قام الرئيس ابو مازن منذ توليه السلطة بمأسسة هذه الاتصالات عبر لجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي. مهمة لجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي " دعم جهود الاشتباك السياسي الذي بداته القيادة الفلسطينية منذ بداية السبعينيات، على قاعدة تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ولا سيما حقه في تقرير مصيره وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967. وعلى الرغم من ان هذه الاتصالات كانت قد اقرت في اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني منذ انطلاقتها الا ان عدد لا باس منه من القيادات الفلسطينية دفعت ثمن حياتي نتيجة هذه الاتصالات حيث تم اغتيال عدد من الفلسطينيين المكلفين بهذا الملف على يد جماعات فلسطينية معارضة. كما تم الاشارة اليه فكرة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي خرجت من خلف الابواب المغلقة وكواليس السياسية واصبحت مع مررور الزمن تتمتع بشرعية سياسة وقانونية من قبل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. ففي دروة المجلس الوطني لعام 1997 تبنى المجلس الوطني قراراً ينص "على اهمية العلاقة والتنسيق مع القوى اليهودية الديموقراطية التقدمية المناضلة داخل الوطن وخارجه ضد الصهيونية كعقيده وممارسة" كما تم التاكيد على هذه الفكرة في دورات المجالس الوطنية اللاحقة مع "ضرورة توسيع نطاق الاتصال لتشمل جميع فئات المجتمع الاسرائيلي". ومع ان هذه الاتصالات اصبحت ذات بعد رسمي من المجلس الوطني الفلسطيني، الا انه بقي عدد من القيادات والفصائل الفلسطينية ما زال يرفض فكره الاتصال مع الاسرائيليين مهما كانت التبريرات والاهداف في ظل وجود الاحتلال الرافض للاعتراف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني. على الرغم من قدم مشروع التواصل مع المجمع الاسرائيلي الا انه ما زال يعاني من عدد من التحديات التي اثرت على نجاحة من هذه التحديات تعود الى طبيعىة المجتمع الاسرائيلي واخرى تعود للمجتمع الفلسطيني.
المجتمع في اسرائيل محكوم بقيادة ونخب يمينية بنت استراتيجيتها على صناعة الخوف من الاخر (أي من الفلسطيني ) حيث يصور هذا الفكر الفلسطيني على انه ارهابي هدفه الاول قتل الاسرائيلي والقضاء عليه، بناء على ذلك يتم عرض المطالب الفلسطينية بالحرية والاستقلال بانها ارهاب هدفه القضاء على اليهود ودولتهم ،وهو ما ساعد على خلق حاجز نفسي عند الاسرائيليين مبني على افكار مسبقة ومسممة من قيادته ،وتم اقناع عدد من الاسرائيليين بان السلام بين الجانبين لن يجلب السلام للإسرائيليين ، وهذا التشويش المبرمج من القيادة الإسرائيلية جعل المجتمع الاسرائيلي اكثر يمينية وتطرف، حيث تحول المجتمع في اسرائيل الى عصابات من المستوطنين، وفرق تدفيع الثمن وحرق الاطفال ، بل ان هذا المجتمع افشل كل ابواب السلام ، وباتت الانتخابات الاسرائيلية تفرز قيادات اكثر عداءا للفلسطينيين واكثر تقربا من المستوطنين مع تبني فكرة تهجير الشعب الفلسطيني.
وهكذا فقد نجحت القيادة في اسرائيل وبالأخص منذ العام 2000 في عزل الراي العام الاسرائيلي المؤثر، خاصة داخل مناطق الخط الاخضر عن متابعة ورؤية حقيقة ما يعانيه الفلسطينيون بسبب الجيش الاسرائيلي وايضا فلتان المستوطنون ونهب الارض والاعتداء عليها ، وهذا النجاح تتوج بإقامة جدار الفصل العنصري كواقع على الارض بحيث لم يعد المواطن الاسرائيلي معني بمعرفة ما يجري خلف هذا الجدار على اعتبار انه شان يخص الجيش والمستوطنين وهو في معزل عنه. وهو ما ساعد على تشكيل عقلية الانعزال التي تميز حياة اليهود وصناعة الخوف التي تبدع قيادتهم اليمينية بصنعها. كما ان الفوقية والاستعلائية التي تميز المجتمع الاسرائيلي تعتبر تحديا كبيرا امام جهود لجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي . فالاسرائيلي يرى بالضعف الفلسطيني والعربي هو ما دفع القيادة الفلسطينية لنهج التواصل وتشكيل اللجنة وليس ايمانا فلسطينيا بجدوى عملها. ويرى ان الفلسطيني ضعيف في روايته الدينية والتاريخية وجاء من منطق الضعف والخوف الى طاولة الحوار بالتالي اعطى الاسرائيلي الحق في فرض اجندة الحوار ومواضيعة والتي من خلالها حاول تهميش وتسطيح القضايا المحاور حولها. ففي حين يطمح الفلسطيبني للحديث عن الامور السياسية والنكبة والاحتلال والحوق يهرب المحاور الاسرائيلي للحديث عن امور ثانوية ثقافية يحاول من خلالها اعادة تشكيل الهوية او الايهام ان الفلسطيني متعايش مع الاحتلال ولا مانع لديه من ابقاء الامرو كما هي .
ومن اكبر التحديات على مستوى المجتمع الاسرائيلي هو استمرار نمو اليمين المتطرف المتمسك بأفكار دينية من اجل السيطرة على الارض والذي يبرر كل جرائمه بناء على الدين , في مقابل ضعف التيارات اليسارية في اسرائيل , والتناقض والصدام بين الانتماءات والقيم والعقائد والرواية التاريخية والذاكرة الجمعية وجذور الصراع وتطوراته وادارته واحتمالات تسويته.
ايضا هناك تحديات نابعة عن البناء السياسي لدى كل طرف , والتي نتج عنها اعتبارات وضغوطات مؤسساتية بيروقراطية وضعت العصي في دواليب اضفاء الشرعية على عملية سياسية وشروطها , وهذا ولد عامل خوف تحديدا عند الاسرائيليين وكحاجز نفسي لتحقيق تسوية مع الفلسطينيين , وحالت دون انفتاح المجتمع الاسرائيلي امام النوايا الحسنة للشعب الفلسطيني وقيادته.