الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

إعلاء قيمة النشاط الاقتصادي المرتبط بالمشاريع الوقفية

نشر بتاريخ: 10/03/2022 ( آخر تحديث: 10/03/2022 الساعة: 21:19 )

الكاتب:

د. سهيل الاحمد

حيث يتجلى ذلك بزيادة صور الوقف المعاصرة وتحقيق رفعته المادية والمعنوية وذلك باعتباره ينفذ مهمة الاستخلاف في الأرض التي يقوم بها الإنسان بهدف الإعمار والتنمية، وهذا يعني أن من ينظم البرامج التنموية ويقوم بتطبيقها في الواقع المعاصر يعلم أنه يتعامل مع الله تعالى ويبتغي مرضاته وليس مرضاة الناس فقط، وبالتالي فإن أهدافه في تحقيق التنمية ستجعل التزام تعاليم الإسلام أساس عملها وتقدمها وتبني البرامج الاستثمارية المعاصرة والمؤثرة في تحقيق هدف التنمية المرتبط بالوقف.

ولإبراز الخاصية التمويلية للوقف يمكن أن يتم تنظيم ذلك بمراجعة ما توصلت إليه الاجتهادات المعاصرة من أجل تطويع المال الوقفي بصرف النظر عن بنيته المادية وتكييفه ودمجه في عجلة الاقتصاد المحلي والعالمي في إطار من التنافسية والأمان، والحفاظ على أصله، وحقوق المستحقين، وكذلك تطوير صوره ومجالاته المتعددة، وبالتالي دعم المؤسسات الوقفية وصرف الريع الناتج عنها في المصارف المخصصة حسب نوع الصندوق وشروط الواقفين، وهذه مسألة مهمة إذا تم استغلالها بالطريق الأمثل، وذلك لطبيعة الأمور التي يقع عليها الوقف، وحرص الناس على إنشائه لاستمرار أثره بعد الموت.

"إن فقه الوقف ينطوي على تنوع فقهي يمكن للإدارات الوقفية أن تستفيد منه في ضوء اختيارات الواقفين وشروطهم" وذلك لما يتميز به فقه الوقف من اجتهادات فقهية واسعة حيال الممارسات الوقفية، الأمر الذي جعل التعامل مع المال الوقفي يأخذ طابعاً خاصاً؛ فهو من جانب يريد المحافظة على المبادرة الوقفية من حيث مضامينها ومقاصدها، ومن جانب آخر يعنى بالإفادة من الكتب الفقهية الكثيرة التي تجيز بعض أقوالها للقائمين على الوقف التصرف على ما يقع تحت أيديهم من وقفيات بشرط تحقق مصالح الوقف ومقاصده،

إن المصالح التي يحرص الوقف على تحقيقها من خلال برامجه المتعددة هي وسائل تستهدف فلسفة إعمار الدنيا وتسخير طاقاتها لخدمة الإنسان، فلا يمكن للنشاط الناتج عن الأعمال الوقفية أن يؤتي ثماره إن لم يكن احترام الإنسان ومراعاة مصالحه على سلم أولوياته، وهذا لاعتبار أن الإنسان أساس التنمية، وهو المستهدف بها، والذي يتحقق بتسخير الموارد من خلال الوقف له ليعمل على الإنتاج وتحصيل الموارد لخدمة المستخلفين من النواحي المتعددة، مع ضرورة الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية قولاً وعملاً، شكلاً ومضموناً، وفي طريقة وأساليب توظيف أصوله ومتعلقاتها.

ويعد إنشاء المظاهر الوقفية وصرف ريعها في المصارف المخصصة لذلك حسب شروط الواقفين من الأمور المهمة إذا تم استغلالها بكفاءة وفاعلية موضوعية مؤثرة، وذلك لتعدد صور الوقف وطبيعة المظاهر التي يقع فيها، ولأن الناس تحرص على إنشاء ذلك لاستمرار الأثر إلى ما بعد الموت، ثم إن هذا الأمر يساعد في تحقيق التنمية ويساعد الدولة على تلبية مصالح الناس ومنع الإضرار بهم والتضييق عليهم،

وهذا لاعتبار أن الوقف يحقق هدفه التنموي من خلال الاستمرارية في الريع والعطاء والتمويل الوقفي، وهو يظهر كذلك أهمية تحقق استقرار حالة الإشباع التي يؤدها تجاه الجهات المستحقة له.

نصت المادة (6) من قانون العدل والإنصاف: "يشترط لصحة الوقف ...أن يجعل آخره لجهة بر لا تنقطع لفظًا كما إذا صرح بالتأبيد، أو ما يقوم مقامه كالفقراء أو المساجد أو معنى، كقوله: أرضي موقوفة فإنها تصرف للفقراء عرفًا.." وهذا يعني أنه لا بد وأن تفيد الصيغة تأبيد الوقف وعدم تأقيته بمدة معينة، لأنه إخراج مال على وجه القربة، فلم يجز إلى مدة، وإنما لابد من اشتماله على معنى التأبيد، ولا يشترط التلفظ به، مثل الوقف على من لم ينقرض قبل قيام الساعة كالفقراء. وهذا الأمر من مقتضيات الديمومة التي تؤثر في تحقيق التنمية وتثبيت أركانها. وقد نصت المادة (5) من القانون على أنه: "يشترط لجواز الوقف أن يكون التصرف قربة في ذاته عند المتصرف..". وفي المادة (6) منه: "يشترط لصحة الوقف ...أن يجعل آخره لجهة بر لا تنقطع لفظًا كما إذا صرح بالتأبيد، أو ما يقوم مقامه كالفقراء أو المساجد ..".

وتكمن أهمية هذه الخاصية التمويلية من حيث أنها تجعل من الوقف مصدراً تمويلياً لا ينتهي إذ هو متوقف على المبادرات التلقائية النابعة من داخل الأفراد استجابة للوازع الديني لديهم، ولا يتوقف على قرار خارجي قادم من الدولة أو من غيرها. وهذا بدوره يمنح الوقف سمة الاستقلالية في التمويل والإدارة من جهة، ويحول دون عمليات التسريب والتهرب من جهة أخرى ويؤكد على معيار الأمان النسبي في عمليات التمويل الوقفي.