الجمعة: 08/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

التبعات الدستورية والقانونية لحقوق لم شمل العائلات في ظل اعادة شرعنة قانون المواطنة العنصري

نشر بتاريخ: 11/03/2022 ( آخر تحديث: 11/03/2022 الساعة: 13:19 )

الكاتب:

بقلم: المحامي نجيب زايد

"ما أشد براءتنا حين نظن أن القانون وعاء للعدل والحق. القانون هنا وعاء لرغبة الحاكم، أو بدلة‪ ‬ يفصلها على قياسه" (محمود دوريش)

تمت المصادقة أمس على قانون المواطنة لعام 2022 بأغلبية أصوات 45 مؤيد مقابل 15 معارض، حيث استطاع اليمين في الائتلاف الحكومي الالتفاف على اليسار والتآمر مع اليمين في المعارضة لتشكيل أغلبية أصوات للمصادقة عليه بأثر رجعي منذ سقوط قانون المواطنة لعام 2003 بتاريخ 06.07.2021.

ها قد عدنا إلى سياسة الغاية تبرر الوسيلة لدى الفصل العنصري بين أفراد الأسرة الواحدة بين شقي الخط الأخضر والتمييز العنصري في سياسة التعامل مع جمع شمل العائلات.

ما هي المعطيات الرسمية وما هي التبعات والأحكام القانونية لحقوق لم شمل العائلات في ظل هذا القانون الجديد؟

هنالك ما يقارب 9,200 زوج وزوجة المسجلين في السجل السكاني الفلسطيني ويحملون تصريح الإقامة داخل الخط الأحضر والقدس الشرقية في إعقاب معاملة جمع شمل. أضف إليهم 3,000 زوج وزوجة ممن يحملون بطاقة الهوية المؤقتة (أ/5).

أما الطلبات الإنسانية لدى اللجنة الاستشارية لوزير الداخلية ففي عام 2019 تم تمت المصادقة على 35 طلب من أصل 291 طلب تم تقديمه فقط (19 بطاقة هوية مؤقتة و 16 تصريح الإقامة) أي نسبة 12% فقط من الطلبات. وفي عام 2020 تم تمت المصادقة على 24 طلب فقط من أصل 267 طلب تم تقديمه (11 بطاقة هوية مؤقتة و 13 تصريح الإقامة) أي نسبة 9% فقط من الطلبات.

بالنسبة لطلبات تسجيل المواليد ففي حال يحمل أحد الوالدين بطاقة هوية زرقاء دائمة والآخر بطاقة هوية خضراء فإذا كان المولود مسجل في السجل السكاني الفلسطيني وبلغ من العمر 14 فما فوق يتم إعطائه تصريح إقامة ومن هم دون ال 14 يتم تسجيلهم في السجل السكاني ويتم منحهم بطاقة هوية مؤقتة ومن ثم دائمة وكل ذلك إذا استوفوا شروطاً أهمها مركز الحياة والحياة المشتركة وفي حالة انتهاء الحياة المشتركة (كالطلاق أو الوفاة) فيتم ذلك بشرط أن تكون الحضانة لدى الوالد الذي يحمل بطاقة الهوية الزرقاء. عام 2020 تم تقديم 2,258 طلب وفي عام 2021 تم تقديم 2,870 طلب لدى داخلية القدس الشرقية، حيث تتم المصادقة على 70 – 80 % من الطلبات فقط.

خلال فترة تسعة أشهر بين سقوط القانون القديم والمصادقة على القانون الجديد تم تقديم حوالي 2,800 طلب لم شمل جديد لدى مكاتب الداخلية. حيث بدأت الداخلية بعلاج 675 طلب وفق المعايير التي توافقت مع سياسة القانون الساقط واستيفاء شروط الفئات العمرية (25 للمرأة و 35 للرجل). تمت الموافقة على حوالي 77 طلب فقط.

كما تم تقديم حوالي 4,000 طلب تحسين مكانة قانونية من تصريح إقامة إلى بطاقة هوية مؤقتة. أضف إلى ذلك حوالي 900 طلب لرفع المكانة قانونية من بطاقة هوية مؤقتة إلى دائمة أو مواطنة.

بتاريخ 01.02.2022 دخلت حيز التنفيذ لائحة تنظيمية مؤقتة تعالج الطلبات المعلقة بعد سقوط القانون بعد أن أمرت المحكمة العليا بضرورة تفعيل الوضع القانوني الجديد، حيث تم تحسين مكانة ما يقارب 130 زوج أو زوجة فقط من حاملي تصريح إقامة إلى بطاقة هوية مؤقتة من أصل حوالي 1,457 معاملة تستوفي الشروط المبدئية لتحسين المكانة القانونية من تصريح إقامة إلى بطاقة هوية مؤقتة لمن بلغوا عمر الخمسين ويحملون تصريح الإقامة لمدة 5 سنوات على الأقل.

ما هو الوضع القانوني لتلك الطلبات التي تم تقديمها؟

هنالك مبادئ تعتبر حجر زاوية في القانون الدستوري، وتتربع في أعلى قمة الهرم القانوني للقواعد المنظمة للحقوق والحريات والعلاقات الاجتماعية نذكر منها اثنين فيما بتعلق بهذه القضية: أولاً الأحكام الانتقالية للقانون، وثانياً عدم رجعية القرارات الإدارية.

فيما يخص الاحكام الانتقالية فهي التي تسمح بالانتقال من وضع دستوري قائم الى وضع دستوري جديد. فوضع قوانين تجحف بالحقوق الدستورية تحتاج برهة من الزمن بعد نشر النص وذلك لما تتطلبه من توفير كافة الوسائل القانونية والتقنية والمادية والبشرية الضرورية لوضعه حيز النفاذ، لذلك تبدو الحاجة إلى سن أحكام انتقالية أو مقتضيات ختامية أو مواد ذات طبيعة خاصة، بهدف ضمان المرور السلس من مرحلة تطبيق القواعد القديمة إلى مرحلة تطبيق القواعد الجديدة، وتجنب السقوط في تضارب المقتضيات الدستورية والابتعاد عن حالة الفراغ الدستوري وصعوبات التطبيق الفوري للنصوص. هذه الأحكام تلعب دور المعبر الآمن في طريق بناء الوضع الدستوري المنشود، ومن هنا يتوجب الطعن بتحديد الموعد والصيغة لدخوله حيّز التنفيذ.

أما بالنسبة للمبدأ الثاني وهو عدم رجعية القرارات الإدارية أي عدم سريانها على ما تم في عداد الماضي قبل بدء نفاذها، فهي مرتبطة كقاعدة عامة بتاريخ صدورها، أما بالنسبة للسلطة الإدارية فمن تاريخ علم الأفراد المخاطبين بها. وهو من المبادئ المسلم بها في القانون الإداري، وقد أقرته أغلب الشرائع والقوانين الحديثة. ويعتبر قاعدة آمرة لا يجوز مخالفتها لضمان استقرار المراكز القانونية والحفاظ عليها ومنع الفوضى، وعدم المساس بالحقوق المكتسبة والنيل منها، واحترام قواعد الاختصاص من حيث الزمان

إلا أن ذلك لا يمنع من وجود استثناءات على هذا المبدأ لتحقيق المصلحة العامة شـريطة أن لا تُخرج هذا المبدأ عن جوهره ومضمونه في حالات معينة لا يتسع المجال للخوض فيها، أهمها إباحة رجعية القرارات الإدارية بنص القانون، أي أنّ للمشرّع أن يقرر رجعية القرار الإداري، سواء بشكل صريح أو ضـمني بشرط أن يستمد هذه الصلاحية بنص دستوري.

هل هنالك نصوص دستورية تحدد صلاحيات المشرع الاسرائيلي؟

بعد ما يسمى الثورة الدستورية عام 1992 وسن مجموعة قوانين أهمها القانون الأساسي: كرامة الإنسان وحريته، أصبحت التشريعات التي تنتهك الحقوق الدستورية وأهمها الكرامة الانسانية مشروطة بالعبور من خلال صمام هذا القانون.

لقد سبق واعترف القضاء الاسرائيلي بانتهاك حقوق الكرامة بما فيها الحق بالحياة الأسرية والحقوق المحمية من قبل قانون المواطنة لعام 2003 تم تبريرها بالحاح الغاية الأمنية ومنع الخطورة المزعومة من دخول الأزواج والزوجات من "مناطق معادية" إلى إسرائيل.

فعلى الرغم من المنع الجارف الذي نص عليه القانون، ظهرت ثغرة قمتُ باستغلالها آنذاك وصفها أحد قضاة المحكمة العليا في أحد القرارات بأنها "عين سحرية للباب قد أصبحت مدخلاً لقاعة المحكمة".

أهم وأبرز القضايا التي سطرت تاريخ هذا الملف هي قضية مي دجاني (ملف رقم 2011/6407) التي أقمتُها عام 2011 حيثُ صدر قرار الحكم بتاريخ 20.05.2013 وطعن بدستورية قانون المواطنة لعام 2003 ومهد الطريق لتغيير جوهري بتوجه القضاة فيما يخص ملف جمع الشمل، وذلك بعد أن باءت بالفشل محاولات الطعن بدستورية هذا القانون حيث ردت محكمة العدل العليا قضيتين دستوريتين بفارق صوت واحد لأحد عشر قاضياً رفعت الأولى مؤسسة عدالة عام 2003 والثانية رفعتها عضو الكنيست زهاڤه غالؤون عام 2007.

القضية الثانية كانت القضية الدستورية التي رفعتُها عام 2014 ضد وزير الداخلية والحكومة والكنيست للطعن بدستورية الأحكام الانتقالية لقانون المواطنة لعام 2003 (ملف رقم 14/813) مما اضطر وزير الداخلية آنذاك أرييه درعي باصدار قرار طرحه على طاولة المحكمة عام 2016 بمنح بطاقات هوية لحوالي ألفين من أصحاب طلبات جمع الشمل الذين تقدموا بمعاملاتهم قبل العام 2003.

هل سيستطيع المستشار القضائي للحكومة ممثلاً بالنيابة العامة وهل سيكون بمقدرة المستشار القضائي للكنيست إقناع المحكمة العليا بأن قانون المواطنة يستوفي الشروط الدستورية وبأن أحكامه الرجعية والانتقالية تتوافق مع القيم والمبادئ الدستورية، وأن هنالك غاية "مستَحَقّة" من وراء هذا القانون، وأن اتخاذ إجراءات مجحفة من هذا القبيل بحق العائلات المتضررة لا تتجاوز الحدود والمقاييس المطلوبة لتحقيق تلك الغاية المستحقة.

القانون الجديد شأنه شأن القانون القديم، بل هو أسوأ، ويمنع الانسان من تلبية الاحتياجات الأساسية التي توفر الأمن والأمان والاستقرار والروابط الأسرية الطبيعية لدى العائلات لضمان توفر مقومات احترام الذات وتحقيق الذات ويجحف بإمكانية الإبداع والوجود الثقافي. هذه الآلية الكامنة في "قانون المواطنة" تعكس سياسة استغلال السلطة للسيطرة الكاملة على هرم احتياجات الأسرة لتقرر إن كانت تستحق هذه الاحتياجات أم لا.

للمحكمة المقدرة بأن تملأ المحتوى بمفاهيم معينة بواسطة المادة 8 لقانون أساسي: كرامة الانسان وحريته التي تعمل بمثابة الصمام أو الغربال لهذه القوانين التعسفية.

ستبدأ للتو معركة أخرى ضد هذا القانون العنصري وسنكون في حلقة أخرى من سلسة القضايا التي قمتُ برفعها من أجل لم شمل العائلات ضد سياسة التمييز العنصري في لم الشمل. فهل ستقوم المحكمة هذه المرة بتعبئته محتوى القانون ليكون وعاء للعدل والحق أم ستكون أداة من أدوات تحقيق رغبة الحاكم بتفصيل بدلة أخرى على قياسه.