الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الانتخابات الدينقراطية مخرج من الازمة السياسية الفلسطينية

نشر بتاريخ: 11/03/2022 ( آخر تحديث: 11/03/2022 الساعة: 14:53 )

الكاتب:

بقلم د. مصطفى البرغوثي

أدى قرار إلغاء الانتخابات الفلسطينية في أيار الماضي إلى تعميق الأزمة السياسية الداخلية الفلسطينية التي تفاقمت منذ الانقسام الذي انفجر في عام 2007، وأدى إلى نشوء سلطتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكلاهما تحت الاحتلال.

وكان فشل اتفاق أوسلو وإغلاق إسرائيل المحكم أي فرص للمفاوضات، ولما تسمى "عملية السلام"، وإمعانها في أنشطة التوسع الاستيطاني والضم والتهويد، قد ضاعف تأثير الأزمة السياسية، بعد فشل برنامج الحل الوسط الذي اعتمدته منظمة التحرير الفلسطينية منذ الثمانينات، خصوصا بعد توقيع اتفاق أوسلو.

وترافق ذلك كله مع تراجع حاد في حالة الحريات والممارسات الديمقراطية، وإلى ميل متعاظم إلى التفرد في القرارات، وخصوصا بعد حل المجلس التشريعي، من دون انتخاب مجلس بديل له، وبعد التراجع عن مقررات اجتماع الأمناء العامين للقوى الفلسطينية.

وتبلورت في الواقع أزمة مزدوجة، داخلية وخارجية. داخلية بفقدان الإجماع الوطني على برنامج مشترك، وانهيار آليات التفاهمات الوطنية، وزوال مقومات العقد الاجتماعي الذي يجب أن تحكم علاقة الشعب الفلسطيني بالسلطات التي تحكمه. وأزمة خارجية مصحوبة باختلال حاد في ميزان القوى مع إسرائيل، وغياب برنامج مشترك وفعّال للنضال لإصلاحه، أو لبناء نهج كفاحي بديل لما فشل فشلاً ماحقاً وهي المراهنة على المفاوضات.

في ظل ذلك الاختلال و هذه الأوضاع، من الطبيعي أن يكون السؤال الرئيس: ما هو المخرج من هذه الأزمة المستفحلة، التي تهدد مستقبل الشعب الفلسطيني، والتي أدت إلى حالة غضب شعبي كامن، يتعاظم كل يوم مع تلاحق أزمات الاقتصاد، وغلاء المعيشة، ومظاهر الفساد المرتبطة بالمحسوبية والواسطة، والشعور العميق بانعدام الأمن والأمان نتيجة بطش قوات الاحتلال، والمستعمرين المستوطنين، وترسخ منظومة الأبرتهايد العنصرية؟

أحد الأجوبة على هذا السؤال المطروح، يمكن أن يكون، مصالحة جديدة بين القوى الفلسطينية، والتوافق على خطوات تسمح بتبديد الغضب الكامن.

غير أن فكرة المصالحة تصطدم بمعضلتين أكدهما اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير أخيرا، والذي نُظم دون حوار وطني جامع، وبتفرد كرر تجارب سابقة تشير بأن القرارات تبقى مجرد حبر على ورق، مما أدى إلى مقاطعة أربعة من قوى منظمة التحرير الرسمية، الجبهة الشعبية والمبادرة الوطنية الفلسطينية والصاعقة والقيادة العامة، بالإضافة إلى عدد لا يستهان به من المستقلين المعتبرين، وإلى انسحاب حزب الشعب من الجلسة الأولى للمجلس، بالإضافة إلى غياب حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

المعضلة الأولى، عدم استعداد بعض القوى للتخلي عن برنامج أوسلو والمراهنة على المفاوضات الذي فشل، إما بسبب قناعاتها السياسية، أو بدافع من مصالح آنية وذاتية تخشى تعرضها للخطر في حالة السير في طريق برنامج كفاحي بديل.

والمعضلة الثانية، عدم توفراستعداد للقبول بمبدأ الشراكة الديمقراطية في القرارات، ليس فقط مع القوى الأخرى، بل مع الشعب الفلسطيني نفسه.

أحد الأجوبة الأخرى يمكن أن يكون استمرار الوضع الحالي، من دون تغيير، في انتظار معجزة من السماء، غير أن هذا الجواب لا يمثل حلاً ولا جواباً، بل تعايشاً مع أزمة ستواصل التفاقم، وقد تؤدي داخلياً إلى تفتت وصراعات خطيرة، رأينا ملامحها في الصدامات المسلحة بين عشائر وعائلات، كما أنها ستؤدي إلى مزيد من اختلال ميزان القوى لصالح الاحتلال، الذي سيوسع نشاطاته لتدمير الوجود الفلسطيني، وتنفيذ عمليات التطهير العرقي، وترسيخ منظومة الاحتلال والأبرتهايد، بما في ذلك قضم ما تبقى من مقدرات السلطة الفلسطينية، وتحويلها إلى مجرد جسم للإدارة المدنية والتنسيق الأمني، مع توسيع السيطرة العسكرية والأمنية للاحتلال لتشمل كل المناطق الفلسطينية من دون أي تمييز بين ما يسمى مناطق (أ) و (ب) و (ج)، ويشكل ذلك كله خطراً وجودياً هائلاً على الشعب الفلسطيني ومستقبله.

ومن الناحية الأخرى سيؤدي التعايش مع الوضع الحالي إلى مزيد من التراجع في مكانة القضية الفلسطينية على الصعيد العربي، الذي ينهمك جزء كبير منه في تطبيق شق التطبيع في صفقة القرنز وعلى الصعيد الدولي، حيث كشفت الحرب الأوكرانية عن مدى فداحة ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي الذي رفض ويرفض استخدام ولو جزءا بسيطا من ماكينة عقوباته ومقاطعاته ضد الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي، وخروقه القانون الدولي، كما أن التعايش مع الوضع القائم لا يمكن أن يحل أزمة الثقة التي تعيشها جماهير الشعب الفلسطيني في الخارج، والتي تطالب بحقها في المشاركة في صنع القرار، وفي انتخاب هيئات منظمة التحرير الفلسطينية.

وبكلمات أخرى، فإن الانتظار والتعايش مع الوضع القائم سيؤديان إلى تدهور إستراتيجي خطير ضد مصالح ومستقبل الشعب الفلسطيني بأسره.

والسؤال إذن: هل تكون الانتخابات الديمقراطية هي المخرج من الأزمة القائمة، وما الذي يمكن أن تحققه أمام كل التحديات المذكورة؟

أولاً، ستكون الانتخابات الحكم الفعلي لماهية البرنامج الذي يجب أن تتبناه منظمة التحرير وقيادة الشعب الفلسطيني بديلا لما فشل. وفي ظل عجز القوى عن التوافق على برنامج موحد، فمن الطبيعي أن يُعطى الشعب الحق في الخيار، عبر اختيار من يعتقد أنهم يمثلون البرنامج الذي يؤيده.

وثانياً، ستنهي الانتخابات كل حالات التفرد بالقرار أياً كان موقعها السياسي أو الجغرافي، إذ من شأنها، كما توضح كل استطلاعات الرأي، أن تفرز منظومة تعددية سياسية تجبر الأحزاب الأكبر على القبول بمبدأ المشاركة والشراكة.

وثالثاً، ستتيح هذه الانتخابات للمرة الأولى، الفرصة لأبناء الشعب الفلسطيني وبناته لاختيار ممثليهم في المجلس الوطني لمنظمة التحرير، ومشاركتهم الديمقراطية في القيادة واختيار النهج الفلسطيني.

ورابعاً، ستؤدي الانتخابات إلى عودة التوازن للنظام السياسي بين السلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، وهو توازن فقد لصالح هيمنة مجموعة تنفيذية على جميع السلطات.

وخامساً، ستؤدي الانتخابات إلى تعزيز الشرعية الفلسطينية أمام المحيط العربي، والمجتمع الدولي، وستحمي حق الفلسطينيين في تمثيل أنفسهم، وستعيد الهيبة لمنظمة التحرير الفلسطينية وتحميها من حالة التهميش والتآكل التي تعيشها، وتحررها من سطوة السلطة الفلسطينية عليها.

وسادساً، ستفرض هذه الانتخابات، بالبرنامج الكفاحي الذي ستزكيه، وبقوة القيادة التي تستمد تأييدها من الشعب الذي تمثله، وليس من العلاقة مع الآخرين، فرصة حقيقية للشروع في تغيير ميزان القوى لصالح الشعب الفلسطيني، وللتصدي للاحتلال ولنظام الأبارتهايد العنصري.

ومن الواجب، التذكير بأن الانتخابات التي نقصدها هي للمجلس الوطني الفلسطيني، ولجزئه الخاص في الأراضي المحتلة، أي المجلس التشريعي، وللرئاسة الفلسطينية، وهي انتخابات يجب أن تجري في نفس الوقت، وفي جميع المناطق وفي مقدمتها القدس، من دون انتظار موافقة الاحتلال.

ومن الواضح، أن هذه الانتخابات، التي يعارضها من تتعارض مصالحه معها، ومع نتائجها المتوقعة، وسيقف ضدها الاحتلال، لن تجري بدون حراك وضغط شعبي فلسطيني داخلياً وخارجياً، ليس فقط لإجراء الانتخابات، بل ولإنقاذ مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.