الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفدائية الأسطورة دلال المغربي غياب أقوى من الحضور

نشر بتاريخ: 13/03/2022 ( آخر تحديث: 13/03/2022 الساعة: 11:08 )

الكاتب: حسن الفقيه





في كل عامٍِ إذا ما أقبل الربيع واخضرت الأغصان وتفتحت الأزهار مرت دلال المغربي الفراشة الفولاذية...وانشقت من قلب الأرض سنبلة من يافا تعانق نسيم البحر وترددُ أنشودة العاشقين لفلسطينِ,والروحُ هناك امتدادٌ للموج...في ذهابٍ و إياب أسطوري...ولغةُ البحر تعرفُ إن الشاطئ هو الشاطئ...والأرض هي الأرض...ولكنها الذكرى في كل لحظةٍ تجيء و تضيء ذكرى دلال الفدائية الساطعة...والمقاتلة المضرجة بالدماء والمضمخة بالبطولة...أقوى من الحضور...وأعلى من الموج...

في الحادي عشر من آذار للعام ثمانية وسبعون كان الموعدُ مع الشهادة...والمكان ساحل يافا...اربعة واربعون عاما مرت والبطولة هي البطولة...والعملية الفدائية التي نفذتها دلال المغربي مع مجموعتها الجريئة ما زالت حاضرة في ذاكرة ووحدات الأجيال...وعصيةٌ على النسيان...ذلك إن الفلسطينيين محرمة عليهم فاكهة النسيان...والوصية هي الوصية...لم تمزقها الأجيال وظلت تعملُ بها وتنهض إليها...وتلتصق بها وسام عزٍ وشرف...ومحط تقديرٍ وفخار...أعوام طويلة مرت ودلال المغربي الشابة الأسطورة...تلقي بظلالها وإسرارها على حاضر المقاومة الفلسطينية كشاهدٍ على إن فلسطين قادرة دائما على إنجاب إبطالها وحراسها...وانْ لا شيء يفصل بين الفلسطيني ووطنه...وان فلسطين هي أولا ودائما.

في معسكرات الثورة تعلمت دلال فن القتال وفي مدارس حركة فتح تلقت تعاليم التضحية والفداء...والمعلم خليل الوزير أبو جهاد أول الرصاص وأول الحجارة.في حلقات الاشتباك يتابعُ دلال المتقدمة التي لا تهابُ ولا تتراجع...

كانت دلال أسطورة في التدريب...فهي الشجاعة الفائقة...والبطلة الباهرة في التزامها العسكري والميداني...

طار قلبها إلى فلسطين...وهاجت نفسها للقاء يافا...فأخذت تتحينُ فرصة الشهادة وتترقب لحظتها المجيدة...وتلظى فؤادها بشوق المواجهة ودفعها شوقها لأن تكون الفدائية الأولى...


فأجاءها الخبر...

أين الطريق إلى يافا؟؟؟أين الطريق إلى البحر؟؟؟
عبروا على الكتف بارود وفي القلب ورود...كانت فلسطين الحبيبة بانتظارهم...وكانوا يشتعلون ويضيئون كأغاني العاشقين...سيردون الصاع صاعين...قصاصُ عدلٍ للمارقين على العدل والعملية الفدائية بأسم الشهداء ومن اجل أرواحهم التي وهبوها للميادين وللروابي والتلال...

فكانت عملية الشهيد كمال عدوان...لتثبت إن يافا لا يمكنُ إنْ تغير لغتها...ولا يمكن إنْ تتكلم لغةً أخرى...وليس باستطاعة الغزاة العابرون إن يغيروا ألوان العلم الفلسطيني ولا يمكن للأخضر فيه إنْ يصبح رماديا أو ازرق...أو إنْ يهوي...لأنه دائما في الأعلى...

وهنا والشيء بالشيء يذكر ونأتي على قول الشاعر الراحل نزار قباني الذي كتب بعد العملية("إن دلال أقامت الجمهورية الفلسطينية ورفعت العلم الفلسطيني,ليس المهم كم عمر هذه الجمهورية,المهم إن العلم الفلسطيني ارتفع في عمق الأرض المحتلة").

فبعد إن عانقت دلال العلم الفلسطيني ولثمته تقديسا...رفعته عاليا...وأخذت ترددُ...
إلى الأعلى دوما يا علم
إلى الأعلى دوما يا علم
فداك أرواحنا
فداك دماؤنا
تتابعك نواظرنا
بالعهد...
بالشوق...
بالقسم...

في ذكرى دلال نحنُ إمام مشهد العمل الفدائي المسلح الذي أرسى دعائم الثورة الفلسطينية...في ذكرى دلال وإمام عيونها وعلى مرأى دمها نجدد بيعة الدم لكل شهداء فلسطين الذين قاتلوا قتال الإبطال الأوفياء ليظل الأحمر في علم فلسطين احمرا والأخضر اخضر...

نتذكر اليوم شهداء فلسطين بكل الأسماء التي نعرفها...أبو عمار وأبو جهاد وسعد صايل وكمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار وأبو حسن سلامة وأبو علي إياد وصلاح خلف وماجد أبو شرار وفيصل الحسيني...وغسان كنفاني وعمر القاسم وأبو علي مصطفى...نتذكر ماجدات فلسطين...نتذكر شهداء العملية البطولية على ساحل يافا...وشهداء العمليات والدوريات الفدائية...نتذكر كل هؤلاء الذين حملوا الراية وعاشوا لامتهم إبطالا وماتوا في سبيلها بررة كراما...وسطروا صحائف إخلاصهم جهادا واستبسالا...

إن الذين مزقوا جسدك الطاهر بالرصاص...وما زالوا يحتجزونه هم واهمون...لأن روحك اليوم راضية مرضية ترفرف في سماء المعركةِ بأجنحة الرضا بين أرواح الشهداء...وتمضي تحلق في سماءِ فلسطين...

يا دلال...
السلامُ على روحكِ الطاهرة المستبسلة
السلامُ على بحر يافا يعانق الكف المقاتلة
السلامُ على وجهكِ الصبوح كوجه القمر
السلامُ على برتقالة يافا تطرحُ أشهى الثمر
السلامُ على عروس البحرِ تتزين بالبارود واغصان ِ الشجر...


دمُكِ الزكي ينتشرُ مسكا في كل إرجاء فلسطين...وعطر روحكِ يفوح في كل ساحاتِ الأقصى...
نذكركِ بآجل صور البطولة وأعظم مشاهد التضحية والفداء...وانتِ باقية في يافا كالبرتقال...وحيةٌ فينا ابداً...
ستظلين يا دلال شجرةً وارفة الظلال يستضيء بها الفدائيون والمقاتلون...
وانتِ سوسنه برية تشقُ صخور الوطن وتزفُ إلى غرغرات التراب...
وانتِ الفدائية الأولى...الشاهقة والسنديانة العالية والغزالة التي ترتوي من النبع بشغف غزير...
اليوم نترسمُ دربكِ ونسير على خطاكِ...ونرفع علم فلسطين على هامِ الجبال وأعمدة النور والمآذن والكنائس...


سلامٌ عليكِ في الشهداء الخالدين
ونحنُ على العهد...
والوعد...