الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

العنصرية في التعامل مع المهاجرين الأوكران من غير اليهود تهيمن على المشهد العام في إسرائيل

نشر بتاريخ: 13/03/2022 ( آخر تحديث: 13/03/2022 الساعة: 12:01 )

الكاتب: العميد: أحمد عيسى

سيطر على نشرات الأخبار المركزية في محطات التلفزة، وإفتتاحيات الصحف، وعناوين المواقع الإخبارية الإلكترونية في إسرائيل، خلال الأسبوع الماضي 7-13/3/2022، جملة من العناوين مثل: الإستعداد لإستقبال المهاجرين الأوكران اليهود مقابل فرض شروط مالية على دخول المهاجرين الأوكران من غير اليهود لإسرائيل، وعمليات الجيش ضد أهداف على الجبهتين الشمالية والجنوبية، وزيارة الرئيس هرتصوغ للعاصمة التركية أنقرة بعد إنقطاع دام لمدة 14 سنة، ولقاء وزير الخارجية (يائير لابيد) للأردن ولقائه الملك عبد الله الثاني، وخبر تصويت الكنيست بالقرائتين الثانية والثالثة على مشروع قانون المواطنة العنصري، وخبر اللقاء السري بين رئيس الأركان (كوخافي) ونظيره القطري، إلا أن خبر فرض شروط مالية على دخول الهاجرين غير اليهود كان هو العنوان الذي هيمن على المشهد العام.

وفيما هاجمت معظم وسائل الإعلام في إسرائيل شروط وزيرة الداخلية (شكيد) على دخول المهاجرين الأوكران للبلاد لما تنطوي عليه من عنصرية فاضحة، وفيما امتنعت كذلك معظم القوى السياسية الإسرائيلية، لا سيما اليميتية منها على تأييد هذه الشروط، كان العكس هو الصحيح في ما يتعلق بباقي العناوين بما في ذلك خبر تصويت الكنيست على مشروع قانون المواطنة الذي يقيد جمع شمل العائلات الفلسطينية لأسباب عنصرية واضحة، حيث ظل خبر الشروط على دخول المهاجرين.

وحول العناوين التي أشاد بها الإعلام ورجال السياسة والأمن وإعتبرت نجاحات إسرائيلية سياسية وأمنية، كان أولها يوم الإثنين الماضي الموافق 7/3/2022، الذي شهد نشر خبر إسقاط مقاتلات إسرائيلية قبل عام تقريباً، مسيرتين إيرانيتين بدون طيار، زعمت المصادر الإسرائيلية أنها كانت تحمل اسلحة لقطاع غزة، الأمر الذي لايخلو من دلالة، إن على صعيد البحث الدائم عن وسائل لتعظيم قوة فصائل المقاومة المسلحة في غزة سواء من قبل إيران، أم من جهة الفصائل فصائل المقاومة المسلحة، أ, على صعيد ما ينطوي عليه الخبر من سعي إسرائيل للتأثير على محادثاث فينا النووية، من خلال إبراز مخاطر عدم تضمن الإتفاق النووي الذي يوشك الطرفين الأمريكي والإيراني على إبرامه، شروطاً تمنع إيران من دعم القصائل المسلحة في المنطقة.

أما ثاني هذه العناوين فكان في نفس اليوم ودار حول قصف الطيران الإسرائيلي لموقع في أحد ضواحي العاصمة السورية دمشق، زعمت مصادر إسرائيلية أنه مخزن لتطوير المسيرات الإيرانية والصواريخ الدقيقة، وكانت إيران قد أعلنت في اليوم التالي خبر مقتل إثنين من ضباطها في سوريا خلال هذه الغارة، وأكدت أنها ستنتقم، مما دفع بالجيش الإسرائيلي إلى أخذ الإحتياطات على طول الجبهة الشمالية.

تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الغارة هي الأولى التي ينفذها الجيش الإسرائيلي على أهداف في سورية منذ بدء العملية الروسية في أوكرانيا بتاريخ 24/2/2022، والتي تنفذ بعد زيارة رئيس الوزراء بينيت المفاجئة لموسكو يوم السبت الماضي الموافق 5/3/2022 ومقابلته الرئيس بوتين لجهة التوسط بين روسيا الغرب لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

وكان ثالث هذه العناوين يوم الأربعاء الموافق 9/3/2022، الذي شهد زيارة وصفت بالتاريخية للرئيس هرتصوع للعاصمة التركية (أنقرة)، كونها أتت بعد إنقطاع العلاقات بين البلدين لأربعة عشر عام، حيث ناقش الطرفين في هذه الزيارة موضوع نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا، علاوة على مناقشة مسألة تبادل السفراء بين الطرفين الذين غادروا عواصم البلدين بعد حادثة سفينة مرمرة العام 2008 التي راح ضحيتها عدد من المتضامنين الأتراك إثناء رحلتهم التضامنية لقطاع غزة.

أما رابع هذه العناوين فكان يوم الخميس الموافق 10/3/2022 الذي شهد الإعلان عن زيارة غير معلنة لوزير الخارجية لبيد للعاصمة الأرنية ولقاء الملك عبد الله الثاني.

وخامس هذه العناوين كان يوم الجمعة الموافق 11/3/2022، حيث نشر في هذا اليوم خبر عن لقاء سري جرى في مقر قيادة الأسطول الخامس الأمرييكي بالعاصمة البحرينية جمع بين رئيس الأركان أفيف كوخافي ونظيره القطري سالم بن محمد بن عقيل خلال زيارة رسمية للأول للبحرين، حيث جرى الإتفاق بين الطرفين في هذا اللقاء على التعاون الثنائي بين البلدين ضد إيران خاصة في ما يخص الطائرات الإيرانية بدون طيار من خلال نشر أجهزة أنذار إسرائيلية على الأراضي القطرية ضد هذه الطائرات، الأمر الي أعتبر التطور الأبرز على صعيد العلاقات الإسرائيلية مع دول الخليج، لا سيما وأن قطر لم تنضم لإتفاقية أبرهام التي وقعتها كل من الإمارات والبحرين أواخر العام 2020 مع إسرائيل.

وشهد يوم السبت الموافق 12/3/2022، عنوانين جديدين تجسد الأول في طلب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي من رئيس الوزراء بينت أن يعمل الأخير على ترتيب لقاء قمة في إسرائيل تجمعه بالرئيس الروسي بوتين، وتجسد الثاني في خبر رددته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن إحتمال إنهيار الإتفاق النووي مع إيران إذا أصرت موسكو على إشتراط توقيعها على الإتفاق مقابل إستثناء إيران من العقوبات الإقتصادية التي يفرضها الغرب على روسيا.

أما العناوين التي تعكس عنصرية إسرائيل فقد إنقسمت إلى قسمين، يتعلق الأول بالشعب الفلسطيني والثاني بالمهاجرين الأوكران لإسرائيل من غير اليهود.

وفيما تجلى الأول في تصويت البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) يوم الخميس الموافق 10/3/2022 بالقراءة الثانية والثالثة على مشروع قانون المواطنة الذي يقيد لم شمل العائلات الفلسطينية على طرفي الخط الأخضر لأسباب ديموغرافية عنصرية وليس لأسباب أمنية كما كان الحال خلال العقدين الماضيين، لغايات محافظة إسرائيل على هويتها اليهودية.

فقد تجلى الثاني في منع دخول المهاجرين الأوكران غير اليهود الذين وصلوا مطار تل أبيب، إلا بعد الإستجابة لشرط الكفالة المالية، مما دفع المهاجرين للنوم على أرض المطار لعدة أيام، وقد أوصلت صور سريها يوم الخميس الموافق 10/3/2022، أحد الصحفيين الإسرائليين للعائلات الأوكرانية التي تفترش أرض المطار الموضوع لذروته، مما أجبر شاكيد على إلغاء قرار الشروط ونقل المهاجرين في نفس اليوم لأحد الفنادق في تل أبيب لفترة محددة لحين تنظيم وجودهم المؤقت في إسرائيل.

ومن المهم هنا التوقف عند حقيقة مفادها أنه فيما أثارت عنصرية إسرائيل تجاه المهاجرين الأوكران من غير اليهود ضجة في أوساط الرأي العام الإسرائيلي لم تتوقف بعد، لم تحرك عنصرية إسرائيل تجاه الفلسطينيين الرأي العام الإسرائيلي، وذلك على الرغم أن العنصرية في الحالة الفلسطينية تعتبر قرينة إضافية لا تقبل الدحض على مأسسة العنصرية (الأبارتهايد) في إسرائيل كما أشارت اليه تقارير كل من منظمة بيتسليم الإسرائيلية، وهيومان رايتس وتش وأمنستي الدوليتين، الأمر الذي يعكس عدم نزاهة الإعلام الإسرائيلي، فضلاً عن أنه يعكس إطمئنان اليمين الحاكم في إسرائيل لعدم إستجابة النظام الدولي الذي يهيمن عليه الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية للنداءات المتزايدة من قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي بمحاسبة إسرائيل على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني أسوة بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

وفي شأن عنصرية إسرائيل ينبغي التوضيح أن إسرائيل تعتبر الدولة الوحيدة في العالم التي تفرق بين الناس على اساس الدين الموروث، وهي تفرقة عنصرية بالأساس، حيث يعتبر الدين هو الموجب الوحيد لمنح الجنسية الإسرائيلية، الأمر الذي يثبت مرة أخرى أن التفرقة العنصرية هي مكون أصيل من مكونات الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل، ويعتبر المحرك الرئيس لموقف شاكيد من المهاجرين الأوكران غير اليهود لإسرائيل، الأمر الذي تجلى في ظهور شاكيد للإعلام وإعلانها أنها في وضعها الشروط على دخول المهاجرين كانت تنفذ سياسة الحكومة وشريكها في ذلك وزير الخارجية لابيد.

وفي محاولة منهم لإصلاح بعض من الدمار الذي ألحقته شاكيد في صورة إسرائيل حول العالم، ولضمان عدم المساس بما تم إنجازه حتى الآن وجرى التعبير عنه في العناوين الأخرى المشار اليها، كتب البعض من رجال الإعلام في إسرائيل، أن موقف إسرائيل من المهاجين الأوكران هو القضية الأكثر إحراجاً لإسرائيل منذ قيامها ودعى أحدهم إلى التهويد على أساس قومي وليس على أساس ديني، وكتب آخرين أن إسرائيل الآن في أسفل سلم الأخلاق العالمي.

وفي النهاية ينبغي التأكيد أن ظلم النظام الدولي وعنصرية معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية إلا ما ندر منها ينبغي لن يحبط الشعب الفلسطيني ويمنعه من إستمرار نضاله ضد الإستعمار والإحتلال العنصري الإسرائيلي.