الكاتب:
مهند أبو شمّة
لست ممن يؤمنون بالبيروقراطية، ولا ممن يعتبرون أن الأداء الوظيفي هو حصيلة نتاج ساعات محددة يقضيها المورد البشري في مؤسسته، وكذا؛ لست ممن يعتقدون أن الوظيفة في المؤسسات الحكومية ملاذ للباحثين عن الأمان الوظيفي، ولست ممن يُمجدّون أصحاب الولاء الشخصي أينما كانوا، ولست مُجبرا على التملق والنفاق لمن باعوا ضميرهم وخالفوا القيم والمبادئ!!!
أنا ممن يؤمنون بأن رأس المال البشري أينما وُجد فهو محلّ استثمار، والأمان الوظيفي يكمن في قدرته على العطاء والتطور، وأحترم جداً أصحاب القيم المهنية والوظيفية، والإخلاص والإنتاجية في مختلف المستويات الإدارية في مؤسساتهم؛ والتي هي نتاج ميثاق أخلاقي قبل أن تكون عقداً رسمياً أو قَسَماً دستورياً بينهم وبين المؤسسة التي هم على رأسها أو يعملون فيها، فكم من مخلصٍ سجّل أسمى قصص التفاني والحرص المؤسسي رغم تواضع مكانته الوظيفية دون الالتفات والانتباه له أو الاهتمام به؟؟ وكم من مستعرضٍ تنكّر لكل المبادئ والقيم والعقد والقسم، مسجّلاً في سيرة حياته المهنية أغرب قصص الفساد والتدمير المؤسسي بمختلف أشكالها؟!
إذن، أين يكمن الفارق؟ ببساطة إنه كامن في العقد الأخلاقي، فهو الذي يُلزم صاحبه في أي رتبة وظيفية كان أن يُسجل أعلى درجات الانتماء والأمانة والإخلاص والنزاهة والعدالة، ويقود صاحبه إلى تأدية واجباته الوظيفية على الوجه الأكمل، ليصدق مع نفسه قبل أن يصدق مع الآخرين، ويرفع شأن مؤسسته والعاملين فيها، ليحقق العدالة وتكافؤ الفرص بأعلى درجات النزاهة والشفافية ؛ لا استجابة لعقد مكتوب أو تنصيب مشفوع بقسم مهني أو دستوري، بل التزاماً بعقدٍ أخلاقيٍ داخله تربّى ونشأ عليه، فحب الوطن غريزة الوطنيين، والانتماء للمؤسسة من سمات المخلصين، وأصحاب العقد الأخلاقي هم أصحاب رسالة سامية نابعة من قيم ومبادئ، والإنجاز والإبداع هو حصيلة جهد يبذله المورد البشري خلال أوقات الوظيفة أو خارجها، والتفكير التطويري والإبداعي ينبعان من الانتماء المؤسسي المبني على الرضا الوظيفي والعقد الأخلاقي، وهنا وجب عدم التمييز بين الفئات والمستويات الوظيفية في التفاني والإخلاص وإنجاز العمل، فالعمل مهما قلّ قدره أو علا فهو مقدّس، والرابط بين رأس المال البشري والمؤسسة ومتلقي الخدمة هو عقد أخلاقي سامٍ قبل أن يكون عقد عمل، أو قراراً إدارياً بالتصنيف أو التثبيت في الوظيفة، أو قسماً مهنيا أو دستورياً يؤديه ليكون أميناً على وظيفته!!
إن من أساسيات الاستقطاب في عالم الموارد البشرية أن يكون هناك تدقيق ومراجعة لخلفيات المورد البشري قبل القيام بعمليات التعاقد الرسمية، وعادة ما يتم الرجوع لمعرفيّن ثقات ،أو استعراض تاريخه وتجاربه السابقة ، أو إخضاعه لبعض الاختبارات الخاصة للتأكد من أمانته ونزاهته؛ تمهيداً لانضمامه لطاقم المؤسسة؛ ليتحول بعدها ويصبح رأس مال بشري لذات المؤسسة، بحيث يكون قابلا للتطور والنمووالحرص على الاحتفاظ به ضمن برامج معدة وممنهجة في بناء الطواقم وتنمية قدراتها بما يتوافق وهوية وثقافة المؤسسة التي تُضفي صبغتها وصفاتها على طاقمها، فتراهم يتحدثون باللغة ذاتها، ويتصرفون بالسلوك ذاته، لتحمل قيمهم المعنى ذاته، و( نحن) هنا هي نهجهم قبل أن تكون كلمتهم الغالبة، لنكون إزاء روح وثقافة لا مع روح تنظير مجرّد.
هنا؛ وجب التفكير في رسم سياسات استقطاب على مستوى الدولة تكون قائمة على مبادئ محوكمة وشفافة وعادلة؛ تحقق تكافؤ الفرص، وتؤسس لتجسيد صفة العقد الأخلاقي القيمي وتغليبها في الممارسات اليومية في مؤسساتنا قبل الالتفات لعقدٍ رسمي أو قّسّم مهني أو دستوري شكلي .
لذا، فإن من الطبيعي والحال كذلك أن تطفو على السطح أسئلة من قبيل: هل ستسود الرسالة السامية في تأدية المهام الوظيفية ؟؟ وهل سيتم استبعاد أصحاب المصالح الشخصية والفئوية؟؟
أسئلة تندرج في إطار تفكير نقدي سابر وهي برسم الإجابة للارتقاء بعملية الانتقاء للموارد البشرية في مؤسساتنا، لضمان بناء مؤسسي متين بعيداً عن العشوائية والارتجالية وعن أصحاب المصالح، فثمّة ما يستحق المراجعة والتأمل!! وللحديث دوما بقية...........