الخميس: 07/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

من أوكرانيا الى فلسطين

نشر بتاريخ: 24/03/2022 ( آخر تحديث: 24/03/2022 الساعة: 18:37 )

الكاتب:

غازي العريضي

قرأت في صحيفة "اللـواء" يوم السبت 19 آذار/مارس 2022، تحقيقاً للزميل هيثم زعيتر من رام الله تناول قصة حياة "أم ناصر" أبو حميد زوجة شهيد وأم شهيد وشقيقة شهيد، الأم الفلسطينية القوية الجبّارة المناضلة الصابرة الصامدة التجربة الاستثنائية وفخر أمهاتنا قالت فيه: "هناك حالياً 5 من أولادي في سجون الاحتلال، ناصر (محكوم 7 مؤبدات و50 عاماً) نصر (5 مؤبدات) شريف (4 مؤبدات) محمد (مؤبدان و 30 عاماً) وإسلام (مؤبد واحد) وقد أفرج الاحتلال عن ابني جهاد بعدما اعتقله إدارياً في العام 2018.
كما أفرج عن أولادي يوسف وشادي وباسم وكان قد اعتقل حفيدي رائد، ابن نصر، قبل أن يفرج عنه"!! المحكومون مؤبداً من أبنائها رفضوا استئناف الأحكام لأنهم لا يريدون الوقوف أمام محكمة لا يعترفون بها ويفتخرون بمقاومتهم الاحتلال وواثقون بحريتهم وحقهم في الحياة والدفاع عن أرضهم وكرامتهم.
وتذكر "أم ناصر" بأن "الاحتلال اعتدى عليها فقتل جنينها وهي حامل في منتصف الشهر الثامن، وهدم بيتها أمام عينيها 5 مرات".
وكانت في كل مرة ترد على "الإرهاب" الإسرائيلي: "ذهب الأولاد فلن أحزن على البيت. افعلوا ما شئتم ومهما فعلتم وهدمتم بيوتي واغتلتم أولادي وأسرتم أحبابي ما راح تهدّوا حَيْلي"!! هل ثمة أنبل وأصلب وأقوى من "أم ناصر" وإرادتها وعزمها وإصرارها على التمسك بالحياة الحرة الكريمة الشريفة؟؟ كيف يهزم الشعب الفلسطيني والأمهات فيه مدارس تربية وعزم وأخلاق ووفاء وقوة وشجاعة وعزة وصمود؟؟ "أم ناصر" ذهبت إلى السجن أخرجت "نطفة" لابنها نصر لتلقيح زوجته "آلاء" وقد وضعت مولوداً ذكراً عام 2019 أسمياه يمان. ووجدت عروساً لابنها محمد في غيابه وأقيم العرس ووضعت العروس صورته في الكرسي المخصص له. وهو الذي أوصى في كانون الأول 2008 "بتبرعه بأعضاء جسده بعد وفاته لكل مريض يحتاج إليها".
هل ثمة صورة إنسانية أرقى من هذه الصور؟؟ هل ثمة زواج بهذه الطريقة وولادة بـ"النطف" المهرّبة من السجون وصبر وحرمان من التلاقي والحب والتعبير عن المشاعر الإنسانية والعيش حياة طبيعية في أي مكان آخر؟؟ ومن عمق هذه "المُعاناة" والعنصرية والكراهية والحقد والقهر والظلم و"الإرهاب" الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بحرية تامة على أرض فلسطين يستمد أبناء هذه الأرض المقدسة الطاهرة قوة وعزيمة وإصراراً على الحياة واستمرار في "الولاء" والإكثار من الأبناء والبنات. مشاريع الشهداء والبناء والكفاح والنضال لكسر إرادة المحتل. اليوم ومع كل التطور التقني في العالم، وتغيير أنماط الحياة، وانفتاح المجتمعات، وفي مواكبة لحياة الشباب وابناء الأجيال الصاعدة، يتابع الجميع فرحهم وطموحهم وحبهم للحياة واستمتاعهم وتحصيلهم العلمي وتفوّقهم وتقدّمهم، فيما لا يتطلع أحد إلى الشعب الفلسطيني الذي أطلقت صرخته الجديدة "أم ناصر" اليوم.
شعب رغم كل ما يتعرض له خرّج رموزاً كباراً في النضال والثقافة والأدب والفكر والشعر والهندسة والعلوم والطب والتعليم والإبداع وتحويل الإعاقات إلى طاقات صامدين في فلسطين وحاضرين في كل أرجاء العالم.
ألا يستحق هذا الشعب باسم العدالة والإنسانية والقانون الدولي والمساواة والحرية والقيم والأخلاق أن يعيش حياته الحرة الكريمة على أرضه مثل كل شعوب العالم؟؟ وهل يمكن أن يستمر "الإرهاب" الإسرائيلي وحيداً في تجربته على مستوى العالم كله يمارس عنصريته وكراهيته وحقده، ليخرج الرئيس الفرنسي وحكومته منذ أيام بالتأكيد على أن "القدس عاصمة أبدية لـ"إسرائيل" وليعلنوا حظر منظمة اسمها "فلسطين ستنتصر" فينتصرون لرافضي مقاطعة منتوجات "الإرهاب" الإسرائيلي في المستوطنات، وينحازون لجوقة رفض اتهام الاحتلال بالعنصرية والكراهية في وقت أصدرت فيه منظمة العفو الدولية في بداية الشهر الفائت تقريراً تتحدث فيه بإسهاب عن "نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين" واصفة دولة الاحتلال بـ"دولة أبارتهايد" ويتباكى هؤلاء وغيرهم بقيادة أميركا على "ما يجري في أوكرانيا وهو بسببهم بالدرجة الأولى دون أن نكون في موقع الدفاع عن الحرب التي خلفت دون أدنى شك دماراً وخراباً وخسائر لا تحدّ وستترك آثارها على كل أوروبا والعالم.
ولا يستطيع أحد أن ينكر صمود الأوكرانيين وإصرارهم على الدفاع عن أنفسهم وبلدهم وليست صورة النازحين واللاجئين بالصورة المريحة المفرحة، هي تحمل كل الألم لدى الأمهات والأبناء والقلق والخوف الآتي المستقبلي لدى الأطفال والرعب والإهانة لدى الشيوخ والنساء.
هؤلاء كلهم يستحقون الاحتضان والرعاية الكريمة الحرة، وليس دعوات منظمي استقبالهم في "إسرائيل" إلى الأوكرانيات الشريفات العمل فوراً في بيوت الدعارة الإسرائيلية.
ولم نسمع أحداً دافع عن كرامة الأمهات والبنات وحقوق النازحين، فكيف إذا كان الإسرائيليون يدعون "اليهـود" إخوتهم إلى العودة إلى "الأرض المباركة" "أرض السلام والإيمان" "أرض الميعاد"!! لم نسمع تقريراً في إذاعة عالمية أو محطة إعلام غربية تحدث عن آلام الفلسطينيين وعن إهانة الأوكرانيين في أرضهم المُحتلة.
هذا هو الغرب بسياساته الحاقدة. يقيمون القيامة للمُتاجرة بدمار مبان وتهجير سكان وعذابات نازحين في أوكرانيا ولا يعتمدون المعيار ذاته في القدس والشيخ جراح.
وسياسة الاستيطان والزحف الإسرائيلي لجرف الأرض الفلسطينية واحتلال المزيد منها.
في هذا اليوم، سقوط جديد لصدقية أميركا والغرب خصوصاً. وتأكيد فلسطيني من قلب الأرض المحتلة وعلى لسان "أم ناصر" وغيرها من الأمهات "مهما فعلتم لن تهدّوا حَيْلنا" مهما طال الزمن سيهدّ حَيْل الاحتلال.
تحية إلى كل أم في عيد الأمهات. تحية إلى أمي الاستثنائية المثالية في تربية عشرة من أبنائها وبناتها. في صلابتها وقوتها وشجاعتها وصبرها وتربيتها وأخلاقها وتعبها وروحها الطيبة وهي التي زرعت فينا الصدق والوفاء والأخلاق واحترام الآخر لاسيما الأكبر سناً وقوة الصبر والمنطق والضمير والسلوك الحسن وعدم التقصير بواجب أياً كان الواجب، الواجب الوطني دفاعاً عن الحق والأرض والعرض والكرامة والإنسان والأخلاق والتفاعل مع الآخر وحفظ الإخوان. ونحن في امتحان دائم أمامها ولو رحلت منذ 14 عاماً. تواصلت معها أمس حيث هي - وتواصلي يومي معها - سائلاً عن نتائج الامتحان: هل هي راضية ؟؟ مجبـورة الخاطر؟؟ هل ترى خطأ في خطوة وقرار وسلوك؟؟ لأعترف لها أنني لم أكن شجاعاً في امتحان قراءة الرسالة التي تركتها لي قبل وفاتها إلا بعد سنوات وسبب ذلك علاقتي بها. عاطفتي وتهيّبي.
اليوم أعايدها وبعد تواصلي معها اتصلت ب"أم ناصر" "أمي" الفلسطينية لأحيي موقفها فتعلمت منها الكثير الكثير أيضاً. من خلالها أحيي الشعب الفلسطيني ونضاله والأمهات الصابرات العزيزات الغاليات والأبناء والبنات، الأسرى والأسيرات، الأحرار بقوة "المنطق" في مواجهة منطق القوة. وأقف عند الحدث الأوكراني لأقول: ليس ثمة صدق في التضامن مع الشعب الأوكراني من قبل أي دولة في العالم إذا لم يقف المعنيون عند المعيار الواحد في النظر إلى الشعب الفلسطيني وواقعه وإدانة العنصرية والكراهية والحقد الذي يمارس ضده على أيدي الإرهابيين الإسرائيليين. وهذا ينطبق على أصحاب التأثير والقرار في ما يسمى المجتمع الدولي.