الكاتب:
د. ضرغام الفارس
تصريح أربك البعض من ابناء شعبنا وشككهم في تارخهم وحقوقهم الوطنية... صرح الآثاري د. سكوت ستربلينج (Dr. Scott Stripling) حول اكتشاف تميمة مربعة الشكل 2 سم رقيقة ومصنوعة من الرصاص ومكونة من طبقتين (مطوية) تتضمن لعنة ذُكر فيها اسم يهوه مرتين، وجاء فيها: ملعون ملعون ملعون، ملعون من الإله يهوه. ستموت ملعون. ملعون ستموت بالتأكيد. ملعون من يهوه – ملعون ملعون ملعون.
ويدعي سكوت بأن هذه التميمة ظهرت ضمن (الطمم) الذي تركه آدم زرتال (Adam Zertal) أثناء التنقيب في جبل عيبال خلال السنوات 1982-1989 في الموقع المعروف باسم برناط، حيث ادعى حينها زرتال بأنه اكتشف المذبح الي بناه يشوع بن نون بحسب ما جاء في سفر يشوع (يشوع: 8: 30-35). وبقول سكوت إن زرتال أرخ الموقع من خلال الفخار الذي ظهر أثناء التنقيب إلى العصر الحديدي الأول والعصر البرونزي المتأخر، وبالتالي فإن التميمة تعود الى أحد العصرين، بل ويعتقد سكوت –في تصريح له ل (The Jerusalem Post)- أن التميمة تعود الى العام 1400 ق.م. وبالتالي فإن الخروج من مصر يكون قد حدث قبل القرن 13 ق.م.
كل ما وصلنا هو مجرد تصريحات عبر وسائل الإعلام وليس بحثًا علميًا منشورًا. لكن بصفتي باحثًا مختصًا في تاريخ وآثار فلسطين أقول: إن صح هذا الخبر فهو دليل إضافي يضاف إلى الكثير من الأدلة الأثرية التي تؤكد صحَّة فهمنا وقراءتنا لتاريخ فلسطين القديم، بل هو (إن صح) اكتشاف محرج لدولة الاحتلال ودليل إضافي على زيف الرواية التوراتية التي اعتمدت عليها دولة الاحتلال في نشراتها ومواقعها الرسمية وتحديدًا فيما يتعلق برواية الخروج ومحاولتهم التوفيق ما بين النصوص التوراتية المتناقضة فيما بينها والمعطيات الأثرية المتناقضة مع تلك النصوص.
ولا بد من التوضيح لأبناء شعبنا بأن أي مكتشف أثري جديد على أرض فلسطين يهمنا من الناحية العلمية والوطنية لأنه إضافة للمعرفة العلمية التراكمية لدينا ويعزز فهمنا لتاريخ فلسطين، أما حين نتحث عن دولة الاحتلال فنحن نتحدث عن غرباء احتلوا فلسطين ولا يربطهم بها أي رابط تاريخي أو عرقي وإنما هو رابط ديني يعطيهم الحق بالسياحة الدينية وليس الإحتلال، فالديانة اليهودية انتشرت في مختلف أنحاء العالم مثل كل الديانات، كما حصل عندما اعتنقت مملكة حِمْيَر الديانة اليهودية عام 384 م واعتنقت مملكة الخزر الديانة اليهودية عام 850 م.
قراءتنا لتاريخ فلسطين القديم بالإستناد الى علم الآثار
باختصار تم تأريخ بداية كتابة التوراة بالقرنين الثامن والسابع قبل الميلاد وربما الأرجح خلال القرن السابع قبل الميلاد، وتمت صياغتها استجابة لظروف ذلك الوقت، من حيث خلق وتعزيز أسباب الوحدة بين سكان أرض كنعان بهدف الثورة والتخلص من الحكم الاشوري، لكن سنحريب أحبط هذه المحاولة بالقوة عام 701 ق.م. وفرض الضريبة على الملك حزقيا. ورغم أن المحاولة الثانية التي قادها الملك يوشيا قد فشلت وانتهت بمقتله عام 609 ق.م. على يد (نخو –أو نخاو- الثاني) (Necho II) ملك مصر، إلا أن إصلاحاته الملك يوشيا كانت جوهرية أساسية لمضمون التوراة التي نعرفها اليوم. وما شهدته أرض فلسطين القديمة في العصر البرونزي المتأخر والعصر الحديدي ما هو إلا تطورا محليا تدريجيًا في نظام الحكم وفي مفهوم الإله وليس تطورًا دخيلًا (ليس عنصرًا دخيلًا جاء من مصر)؛ فمن القبيلة (يسرءِار) أو (ysry3r) في لوحة مرنبتاح عام 1208 ق.م. إلى المملكة، (Ysr’l) (يسرءَل) أو (يسرأل) في لوحة الملك ميشع المؤابي عام 850 ق.م. ومن أرض شاسو يهوه في مؤاب وأدوم في القائمة الجغرافية في صوليب (Soleb) في نهاية القرن الخامس عشر قبل الميلاد الى يهوه الإله الذي بُعْبَد معه الإلَهَان إيل وبعل، والمعبودة عشيرة هي زوجته، إلى محاولتان فاشلتان لعبادة يهوة بصفته إلهًا أوحد، إحداهما في عهد الملك حزقيا والإخرى في عهد الملك يوشيا. وبقيت أرض كنعان وثنية خلال العصر الحديدي. وخلال فترة السبي البابلي كان الدمج والتنقيح وتجميع النصوص وربطها ببعضها من خلال جُمل ربط وتعليقات. وبالتالي فإن هذا المكتشف إن صح لا يتناقض مع فهمنا لتاريخ فلسطين وإنما يعززه.
اكتشاف إن صح يحرج دولة الاحتلال
حاولت دولة الاحتلال الثبات على سردية واحدة في ظل التناقض ما بين النصوص التوراتية وبينها وبين الحقائق التاريخية ومن ضمن تلك السردية هو محاولة تأريخ الخروج. فبالإستناد إلى أحد النصوص التوراتية (الملوك الأول: 6: 1) لتحديد تاريخ الخروج من مصر يكون الخروج عام 1450 ق.م. وبالإستناد إلى نص توراتي آخر (القضاة: 11: 25،26)، يكون الخروج عام 1440 ق.م. بعد إضافة 40 عامًا من التيه، لكن بالإستناد إلى نص توراتي ثالث (الخروج: 1: 11) يكون الخروج في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وأمام هذا التناقض نجد وزارة خارجية الاحتلال تتبنى تاريخًا واحدًا وهو حوالي 1300 ق.م.
والسؤال هنا كيف سيوفِّق أبناء حِمْيَر والخَزَر (دولة الاحتلال) الآن ما بين النص التوراتي الذي يرجع الخروج إلى 1450 ق.م والنص الذي يقول بأن أبناء يعقوب قبل خروجهم من مصر بنوا مدينة رَعَمْسِيسَ (باي- رمسيس) في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وبين هذا المكتشف المزعوم الذي يعود حسب سكوت ستربلينج الى 1400 ق.م. !!!!