الكاتب:
مروان اميل طوباسي
قبل البحث فيما يجري من محاولات ضد قانون الأسرة ومضمون اتفاقية سيداو ، لنتذكر جيدا تاريخ الحركات الإسلامية السياسية الأصولية ، من صنعها ومن غذاها و ماذا فعلت منذ أن تأسست بفعل مساندة قوى الاستعمار والاحتلال في المنطقة حتى باتت تدعوا إلى دولة الخلافة دون الدعوة إلى التحرير والاستقلال الوطني ، وما أحيل لها من أدوار لمحاولة تدمير الدولة الوطنية والمشروع القومي العربي ، والآن وهي تستكمل عملها من أجل الانقضاض على تاريخ وتراث الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال مساندة رفض إنهاء الانقسام الذي وقع بفعل الانقلاب في غزة هاشم ، فهي تعمل على تكفير الحركة النسوية ومنجزاتها التي قدمت كوكبة شهدائها الطويلة وقافلة من الاسيرات من اجل تكريس استقلالية القرار الوطني و وحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية ومساندة فكرها المدني التقدمي الذي جسدته وثيقة اعلان الاستقلال التي أعلنها الزعيم المؤسس الراحل ابو عمار وصاغ كلماتها شاعرنا الكبير الراحل محمود درويش ووقف معها ممثلين مكونات شعبنا الوطنية بالمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في حينه .
فمسيرة كفاح المرأة إلى جانب الرجل مسالة ترابطت مكوناتها عبر تاريخ حضاراتنا وثقافتنا لتؤكد على أهميتها وجوهرها كافة دورات مجالسنا الوطنية والمركزية وادبيات حركتنا الوطنية الفلسطينية حتى اليوم وغدا .
وللمرأة مكانة خاصة وعظيمة في تاريخ وحضارة أجدادنا الكنعانيين ، فقد كان الكنعانيون من أوائل الشعوب ، التي وضعت القوانين والأصول المدنية ، التي ساوت بين المرأة والرجل ، وكانوا أول من حرر المرأة وساوها بالرجل ، فكانت المرأة الكنعانية كاهنة ، وقائدة جيوش ، وسياسية وبطلة .
لقد حاول الإسلام السياسي الاصولي إثارة النعرات المتعددة وفرض قوانين الغاب بعيدا عن القانون الأساسي ومحاولة استغلال تشويه مفهوم العشائر ( وهنا لا اعمم ) بعيدا عن دورهم الوطني وتاريخهم الكفاحي ، وإحلال مفاهيم مغلوطة بما يُعرف بالتقاليد والاعراف بدل نصوص القانون في بعض المناطق ، ورفع شعارات تعود بنا قرونا من الزمن ، أو التمسك بتفسيرات مشوهة وغير دقيقة لاَيات من القراَن الكريم تخدم مصالحهم السياسية وتراجعهم الفكري . لقد كان للمرأة في الإسلام دورا هاما لعبته خلال عصور متعددة فأكرمها ، كما أكرمت المسيحية في بلادنا دور ومكانة المرأة التي برز دورها على كافة المستويات .
واليوم يستهدف هؤلاء الاصوليون المرأة الفلسطينية ودورها ومكانتها ، فيريدونها سلعة كما كانت في بعض العصور الغابرة من الخلافة وغيرها في أوروبا أيضا . فقد كانت وما زالت مساهمه المرأة الفلسطينية في النضال الوطني الفلسطيني هامة ومحورية ورئيسية وفاعلة وموجودة في مختلف الميادين ، وكانت مكانتها مميزة كما كان نضالها وما زال وتحديدا منذ بدايات العمل الوطني الفلسطيني في ثلاثينيات القرن الماضي وما قبل ذلك ، وفي مواجهة الإقتلاع والترحيل عام ٤٨ و في مراحل وساحات الثورة الفلسطينية ومرحلة الكفاح ضد المحتل بعد عام ٦٧ مرورا بالانتفاضتين الأولى والثانية وحتى يومنا هذا من خلال الاطر النسوية والاتحاد العام للمرأة الفلسطينية يشكل رمزا كفاحيا ، فهم كانوا وما زالوا يحتلون صفحات النضال الفلسطيني ، لهم قصص البطولات الفدائية في الميدان الى جانب الرجل وقصص النجاح السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمهنية في كافة المجالات العلمية والأدبية التي باتت تبرز اكثر الآن.
اتفاقية سيداو هي اتفاقية عالمية جاءت تتويجا لجهود ونضالات الحركات النسوية والحقوقية على مستوى العالم ، ويشكل انضمام دولة فلسطين إليها إنجازا مهما وخطوة باتجاه الارتقاء بحالة حقوق الانسان في فلسطين وخاصة بحقوق النساء.
لقد أكدت اتفاقية سيداو على الحقوق الأساسية للمرأة التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان دون تمييز وهو ما نصت عليه الاتفاقيات والمواثيق الدولية كافة، انطلاقا من أن حقوق الإنسان متكاملة وغير قابلة للتجزئة، وفي ذات الوقت ما أكدت عليه وثيقة إعلان الاستقلال والقانون الأساسي الفلسطيني الذي لم يفرق بين احداً وأحد على أساس الجنس أو الدين أو العرق .
ان اتفاقية سيداو تتضمن حق المساواة للمرأة في الحياة وفي العمل والتعليم والصحة والمشاركة السياسية وتقلد مواقع صنع القرار ، والزواج والطلاق وإدارة الشؤون العائلية ، كذلك الاهتمام بالفئات المهمشة من النساء، والمساواة أمام القانون، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد من التمييز والعنف ضدها أو الاستغلال بكافة أشكاله .
لقد نجح الاحتلال الإسرائيلي البشع وعلى مدار عقود طويلة عن طريق اعوانه في غسل وعي جزء من شعبنا الفلسطيني حتى بما يتعلق بدور المرأة ومكانتها ، واصبحت من وجهة نظرهم و وفقا لدورهم القرارات التي تتخذها منظمة التحرير ومؤسسات دولة فلسطين ضد الاحتلال او لتكريس الحقوق الوطنية والمدنية والالتزامات الدولية ، تهاجم دون وعي ، واصبح كل ما يصدر عن منظمة التحرير ومؤسسات دولتنا العتيدة هو لعنة مكروهة وقرارا منبوذا ، وهو ما يندرج اليوم في إطار دورهم والمخطط المرسوم لهم لاثارة زوبعة سيدوا مرة أخرى وما يخططون له بعد ذلك.
فالامارة أو الخلافة ومشروع الاسلام السياسي الاصولي اهم من أي مضمون للدولة الفلسطينية المستقلة وطنية البعد بالنسبة لهم ، وستكون الغيبيات وفهمهم المبتور للاسلام الحنيف المتسامح ، والعادات والتقاليد هي الدعاية المجانية لهم في مواجهة التنوير والتقدم واسس الدولة المدنية ، بل وجر الناس الى ما ليس له علاقة باستكمال الكفاح الوطني ضد الاحتلال نحو الحرية والاستقلال الى جانب النضال من أجل التقدم الاجتماعي والديمقراطية والعدالة والمساواة .
ان الهجمة الشرسة التي نتعرض لها بسبب الانضمام للاتفاقية وهي جزء من انضمامنا للاتفاقيات والمعاهد الدولية بعد ان أصبحنا دولة مراقب بالامم المتحدة منذ ٢٠١٢ ، وما يرتبط بتلك الاتفاقية من قانون عصري لحماية الأسرة ، الأسرة التي اهتمت بها كافة مصادر التشريع والشرائع ، ومعها الأُطر النسوية الفلسطينية في الأيام الأخيرة والتي تطلقها بعض اصوات عشائرية كغطاء للاسلام السياسي الاصولي ، والتي تدعوا إلى الانسحاب من الاتفاقية وإغلاق جميع الجمعيات النسوية الفلسطينية ، هي دعوات لا تخدم وحدة مجتمعنا وتراثه الاصيل بل ولا تتفق مع ما جاء بدعوات وتعاليم الأنبياء الصالحين ، حيث جعلت ادياننا المرأة على درجة واحدة من الرجل في التكريم ، إضافة إلى اننا اليوم نقف امام استحقاقات تقدم وتطور المجتمعات الإنسانية ونحن بالعقد الثاني من القرن الواحد والعشرين من تطور البشرية .
هذه الأصوات الاصولية لم نسمع صراخها ضد جرائم الاحتلال اليومية ، ولكنها تتنادى وتجتمع وتبحث وتقرر بالخروج ورفع الصوت النشاز ضد حقوق النساء كما فعلت مؤخرا خلال الأسبوع الماضي برام الله والخليل وقلقيلية .
أليست المرأة الفلسطينية هي التي يتغنى الجميع بصمودها وكانت دائمًا على رأس النضال ضد كل أنواع الظلم والاحتلال؟ سطرت البطولات ، وانتفضت في وجه الاحتلال ، أليست هي حارسة بقاءنا وحارسة نارنا الدائمة لتستحق الحماية من القتل بسبب الإرث او بيد سفاح القربى أو لمجرد إشاعة ، هي وجميعنا بحاجة إلى استحداث القوانين والتشريعات العصرية بدل تلك البالية أو التي عفى الزمن عليها من أجل حمايتها وحماية الأسرة.
نحن مع هذه المرأة التي ستنتفض في وجه العقليات التي تُقدس العبودية مهما كان مصدرها، ولن يتم القبول لمحاولات الدوس على منجزاتها وحقوقها ومكانتها.
كلي أمل بأن لا تبقى المرأة وحيدة في هذه المعركة التي تخص تقدم المجتمع كافة ، فعلى الكل الوطني الذي يسترشد بمفاهيم المجتمع المدني والحضاري المشاركة الفاعلة بعيدا عن التزام الصمت الذي يُعتبر في بعض الاحيان من جانب البعض نفاقا ، في هذا الدور . فهي معركة على وجه ووجهة الشعب الفلسطيني وتراثه وعلى سيادة القانون والتزامات دولة فلسطين امام العالم ، على كرامة الانسان والانسانية وعلى الحق في مواطنةٍ متساوية .