الكاتب: رائد محمد الدبعي
مع اعلان عضو الكنيست عيديت سليمان من حزب يمينا انسحابها من ائتلاف " بينت لابيد" البرلماني، فإن رياح انهيار الائتلاف الحكومي تعصف بالمشهد الحكومي في اسرائيل من جديد، وتشرع الأبواب أمام تنظيم جولة تالية من الانتخابات العامة في نظام يمثل عدم الاستقرار الحكومي أحد سماته الأساسية، إذ أن الانتخابات المبكرة القادمة في اسرائيل لن تكون الأخيرة على المدى القريب، فالعطب والإسقاط هو المآل المتوقع لأي ائتلاف حكومي يتكئ على أغلبية هشة " صوت واحد في حالة الائتلاف الحالي"، ويتصف بالتباين الايدلوجي الحاد في القضايا الداخلية، على الرغم من وحدته تجاه استمرار الاحتلال ونظام التمييز العنصري، أو على أطماع شخصية للنخبة السياسية في اسرائيل، كما هو الحال في حالة عيديت سليمان التي يبدو أنها قد حجزت مقعدا حكوميا في معسكر اليمين الديني برئاسة نتنياهو.
تشير نتائج مختلف استطلاعات الرأي في اسرائيل التي نظمتها قناة كان والقنوات 11و 12 و 13 إلى عدم قدرة أيا من معسكري اليمين " القومي والديني" على حسم الانتخابات لصالحه، واستمرار حالة الانحدار في معسكر اليسار الذي يتذيل مختلف نتائج الاستطلاعات .
في ظل هذه الدوامة من عدم الاستقرار الحكومي، لا زال هناك قوى وشخصيات لا زالت تتوهم أن يائير لابيد سيحدث اختراقا في عملية السلام، متجاهلين حقيقة أن الاخيرة قد ولدت ميتة من الأساس، وبأنها دفنت من سنوات، بل أن عظامها قد تحللت بسبب الصلف الاسرائيلي والتحيز الدولي للاحتلال، فيما جاء التطبيع العربي المجاني مع اسرائيل ليضيف طبقة حديدية جديدة على قبرها.
يتجاوز التعويل على احداث اختراق في المشهد الاسرائيلي الداخلي هوامش الغباء والجهل والسطحية وهشاشة التجربة، إلى ساحات التقصير والتآمر الفج، إذ أن خلق أي مسار سياسي على المدى القريب والمتوسط مع اسرائيل في ظل الوضع القائم هو وهم فاضح، فليس هناك ما يجبر اي حكومة اسرائيلية على دفع ثمن سياسي، في ظل التحيز العالمي، والتامر العربي الرسمي، والانقسام الفلسطيني، وعدم كلفة احتلالها، كما أن اقتصار العلاقة على مسار اقتصادي، أو خطوات اطلقت عليها اسرائيل " اجراءات تحسين حياة المواطنين " هو خدمة مجانية للاحتلال الذي يحظى " باحتلال مجاني وخمس نجوم"، لأن الاحتلال هو أصل المشكلة، وتجاوزه لصالح خطوات اقتصادية هو ذر للرماد بالعيون، وتجاهل للفيل الذي يملأ الغرفة لصالح تفاصيل شكلية، وقضايا جانبية نجحت اسرائيل في اغراقنا بها، من قبيل رواتب اسرانا، او تغيير مناهجنا التعليمية، او اتهامنا بالتحريض، فيما تخطو إسرائيل خطوات كبيرة في سياستها القائمة على فلسفة " ارض اكثر وعرب اقل".
علينا فلسطينيا أولا، وقبل أن نطالب العالم باتخاذ مواقف عملية لانهاء الاحتلال، أن نرفع الغطاء عن عيوننا ونقرأ المعادلة الدولية دون رتوش، وهذا يتطلب أن نرمم بيتنا الداخلي، ونقف أمام أنفسنا، وضمائرنا جميعا بمسؤولية تاريخية، لندفن الانقسام للابد، ضمن رؤية وطنية يشارك بها ضحايا الانقسام الحقيقيين، من الشباب ومؤسسات المجتمع المدني وقواه الفاعلة، كما يجب علينا أن نتقن من جديد مهارة احداث صداع للمجتمع الدولي، وتحريك المياه الراكدة، وخلخلة حالة الرفاه التي يعيشها من يحتل ارضنا، عبر تبني برنامج مقاومة حقيقي، يبدأ بمقاطعة الاحتلال، ويمر بممارسة حقنا بوطن خال من المستوطنين، وصولا الى اقامة وطن حر عزيز مستقل، عبر تبني مختلف أشكال المقاومة، التي يتيحها القانون الدولي، والمواثيق الدولية.
عندها فقط سيأتي العالم ليسمع صوتنا، وينصت للوجع الفلسطيني.
* محاضر بقسم العلوم السياسية / جامعة النجاح الوطنية