الكاتب:
المحامي: إيهــاب خلايلـــة استاذ القانون العام -جامعة فلسطين الأهلية-بيت لحم
شُرّعت الانتخابات بموجب القانون الأساسي الفلسطيني، كحق من الحقوق السياسية لكل مواطن فلسطيني انطبقت عليه المعايير والشروط التي رسمها القانون ,باعتبارها الوسيلة التي عن طريقها تتحقق الديمقراطية ليعبر المواطنون عن إرادتهم وصوتهم الحر ومشاركتهم في اختيار من يمثلهم لتقلد زمام المسؤولية والإدارة ، وقد نص عليه القانون الأساسي الفلسطيني في ثناياه استناداً للمادة 26 التي قضت : للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفراداً وجماعات ولهم على وجه الخصوص الحقوق الآتية : (تشكيل الأحزاب السياسية والإنظمام إليها وفقاً للقانون، تشكيل النقابات والجمعيات والاتحادات والروابط والأندية والمؤسسات الشعبية وفقاً للقانون، التصويت والترشيح في الانتخابات لاختيار ممثلين منهم يتم انتخابهم بالاقتراع العام وفقاً للقانون ..). وتبين بجلاء من النص الدستوري السابق بأن الانتخابات عملية دستورية سياسية وجدت من أجل الانتقال إلى الديمقراطية والتغير ولا تقتصر على فئة أو حزب أو عشيرة أو قبيلة ما، وإنما حق لأي مواطن فلسطيني أن يمارسها، ولا يمكن الولوج إلى الديمقراطية إلا عن طريق الشعب .
إن النظام الانتخابي المطبق حالياً في فلسطين هو نظام التمثيل النسبي (القوائم ) سواء في انتخابات البلديات أو انتخابات المجلس التشريعي وهذا يعني الترشح ضمن قوائم انتخابية مغلقة أي لا يمكن لأي مواطن أن يرشح نفسه إلا بواسطة قائمة انتخابية تحقق الشروط المطلوبة وفقاً للقانون، حيث يستند ويرتكز في تشكيل القائمة على الأحزاب السياسية بالدرجة الأولى أو الموطنين الذين تقاطعت أهدافهم وأفكارهم ومصالحهم المشتركة وكونوا قائمة خاصة بهم . وهذا ما أشار إليه قانون الهيئات المحلية الفلسطيني في طياته عندما وضح نظام الانتخابات الخاص بالمجالس المحلية في فلسطين حيث نصت المادة 14 على أنه : يتم الترشيح ضمن قوائم انتخابية على أساس التمثيل النسبي،تعتبر قائمة المرشحين مغلقة وتكون أسماء المرشحين فيها مرتبة حسب أولوية كل مرشح، يتم تسجيل القوائم التي ترغب في المشاركة في الانتخابات لدى لجنة الانتخابات المركزية وفقاً للأنظمة والإجراءات والتعليمات التي تضعها اللجنة، ويجب ألا يقل عدد المرشحين في القائمة الانتخابية الواحدة عن أغلبية عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية.
وفي ذات ذات السياق لابد من أن ننوه إلى أن انتخابات المجلس التشريعي التي حصلت في سنه 2006 اتبعت نظاماً انتخابياً مغايراً لما أسلفته سابقاً، ألا وهو النظام المختلط الذي جمع بين الأغلبية النسبية ( تعدد الدوائر ) والتمثيل النسبي( القوائم ) مناصفة بينهما وفقاً لقانون رقم 9 لسنه 2005 بشأن الانتخابات والتي نصت المادة 3 منه على : يقوم قانون الانتخابات الفلسطيني على أساس النظام الانتخابي المختلط ..) وتجدر الإشارة هنا بأن نظام الأغلبية النسبية قد منح حق الترشح لأي مواطن أستنفد الشروط القانونية المطلوبة بشكل فردي في دائرته الانتخابية دون أن يتقيد بقائمة ما، وهو على عكس التمثيل النسبي الذي يتقيد بقائمة فقط ، وتمت الانتخابات بهذا النظام الموصوف أعلاه بفوز نصف عدد الأعضاء في المجلس التشريعي بناءً على الترشح الفردي ونصف عدد الأعضاء الآخرين بنظام التمثيل النسبي . وبعد إجراء الانتخابات بسنه تقريباً أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس قراراً بقانون رقم 1 لسنه 2007 بشأن الانتخابات العامة أدى إلى تعديل قانون الانتخابات رقم 9 لسنه 2005 وخاصة تعديل نظام الانتخابات وقد نص في طياته وفقاً للمادة 4 من القرار بقانون على : يتم انتخاب أعضاء المجلس في انتخابات عامة حرة ومباشرة وبطريقة الاقتراع السري على أساس التمثيل النسبي (الكامل ) القوائم ..).
والمطالع لهذا التعديل آنف الذكر يجد أنه قد تم الانتقال من النظام الانتخابي المختلط الذي كان سائداً في فلسطين إلى النظام الانتخابي الحالي المتمثل في التمثيل النسبي الذي هو سارٍ ومطبق على الأراضي الفلسطينية .
وفي مقام القول ذاته نرى بأن نظام التمثيل النسبي قد أخفق عقب انتخابات المجالس المحلية التي حصلت في الآونة الأخيرة؛ لما له من عقبات كثيرة ومن أهمها : الاحتدام والصراع الكبير بين أبناء الحزب الواحد على أحقية وكفاءة الترشح لمن يرى أنه أهل لهذا المقام وإزاء ذلك قد أثر سلبا على عدم الاتفاق بينهم والإلتفاف حول حزبه, وهذا ما أدى إلى دفع البعض إلى البحث عن ملاذ ومظلات أخرى ليتسنى لهم ممارسة حقهم بالترشح عن طريق تشكيل قوائم انتخابية أخرى بعيداً عن قائمة حزبه التي شُكلت، وأيضا يحرم الترشح الفردي لأي مواطن قد يرى بأنه كفء لهذا المكان، الأمر الذي أدى إلى تفتيت العلاقات الاجتماعية وتفكيكها , وبالتالي ضرب النسيج المجتمعي القائم على الترابط والإخاء بين أبناء البلد الواحد سواء بين الأحزاب وبعض العائلات أو بين العائلات نفسها، وعلاوة على ذلك كله وبعد إجراء الانتخابات وظهور نتائجها المشكلة لم تنته بعد , وإنما الصراع الأكبر يكمن في اختيار رئيس البلدية من الأعضاء الذين فازوا في الانتخابات وهذا ما شاهدناه وما زلنا نشاهده حتى الآن، مما يدفع بعض القوائم الانتخابية الحزبية الكبيرة إلى البحث عن القوائم الأخرى ذات الثقل القليل ومن الممكن نجح منها عضواً أو اثنين من أجل التحالف وتشكيل ائتلاف معها, الأمر الذي يعني الرضوخ إلى شروطها التي تحقق مصلحتها .
وصفوة القول نرى لتجاوز العقبات التي سردناه آنفاً لابد من الوقوف وقفة جدية من أصحاب القرار بتعديل النظام الانتخابي المطبق في فلسطين من نظام التمثيل النسبي إلى نظام الأغلبية النسبية لما له من خصالٍ وإيجابياتٍ عديدة أكثر بكثير من سلبياته، تتمثل في السماح لأي مواطن يرى بأنه كفء وقادر على خدمة أبناء بلده بأن يمارس حقه بالترشح وبذات الوقت يقضي على الترشح عن طريق القائمة فقط، ومن يحقق أعلى الأصوات هو الذي يفوزبالانتخابات وفقاً لعدد كل مجلس بلدي أو غيره، أما فيما يتعلق بتمثيل المرأة فقد يُحدد ذلك بموجب القانون الحصة أو النسبة التي يجب أن تكون من ضمن تشكيلة المجلس، وبخصوص اختيار رئيس المجلس يتم تنصيبه للشخص الذي حصل على أعلى الأصوات من كل المترشحين والذين خاضوا غمار الانتخابات، الأمر الذي يعمل على الوصول إلى الديمقراطية سيما وأن المسار الصحيح والغاية الأساس لهذه المجالس هي تقديم خدمات ومنافع عامة للناس والمجتمعات ليس إلا .