الكاتب: د.احمد بحر
لا شك أن المرحلة الراهنة تعتبر الأخطر على مدار تاريخ شعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية، ويوما بعد يوم تثبت حكومة الاحتلال مدى التصاقها بقيم وسياسات الظلم والبغي والإرهاب، وتقدم الدليل تلو الدليل على طبيعة مخططاتها العدوانية لاستباحة مدينة القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، ناهيك عن ممارساتها العدوانية في الضفة الغربية، فها هي اليوم تسمح لعتاة الصهاينة المتطرفين باقتحام المسجد الأقصى يوميا، وتمنع المصلين من الدخول والصلاة في المسجد الأقصى، وتعتدي عليهم بالضرب، وتمارس كل أشكال وصنوف الأذى والقمع بحق أبناء المدينة المقدسة، وتنفذ مخططاتها العنصرية الرامية إلى تغيير الطابع الديمغرافي والهوية الفلسطينية والعربية والإسلامية للقدس وتراثها الحضاري والإنساني، وتقتحم المدن والمخيمات في الضفة الغربية، دون أن تقيم وزنا لكل القيم والأعراف الأخلاقية والحقوق الفلسطينية وكافة القوانين الإنسانية والدولية، ودون أن تعير اهتماما لمشاعر ما يزيد عن مليار ونصف المليار مسلم في شتى أرجاء المعمورة.
وها نحن نستعد لسلسلة من الاقتحامات الصهيونية للمسجد الأقصى خلال الأيام القادمة في فترة الأعياد اليهودية، حيث ينوي عشرات الحاخامات الصهاينة وآلاف المستوطنين المتطرفين اقتحام الأقصى وذبح القرابين في باحاته، في إطار مخططهم الخبيث الرامي إلى هدم الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم.
إننا في رئاسة المجلس التشريعي الفلسطيني نقرع ناقوس الخطر الكبير، ونشعل الأضواء الحمراء أمام شعوبنا العربية والإسلامية وأمام العالم أجمع إزاء ضخامة الهجمة الصهيونية التي تستهدف القدس والأقصى، ونحذر حكومة الاحتلال من تداعيات مخططاتها العدوانية وسياساتها الإرهابية بحق القدس والأقصى، فالصهاينة يستهدفون إشعال فتيل الحرب ويجرّون المنطقة برمتها إلى أتون تصعيد واسع وانفجارات شاملة في ظل تواطؤ إقليمي ودولي سافر، مؤكدين أن هذه الحرب سيكتوي بها الصهاينة قبل أي أحد آخر، وستشكل وبالا على المشروع الصهيوني برمته الذي يستهدف ضرب الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، وإثارة القلاقل والحروب في كل مكان.
إن الهبة البطولية لأهلنا في القدس وأحيائها الصامدة، وجحافل المرابطين والمرابطات على بوابات وداخل المسجد الأقصى، والنفير العام الذي يجتاح قطاع غزة والضفة الغربية وأراضي الـ48، الذي تُوّج بالعديد من العمليات البطولية التي زلزلت كيان الاحتلال وضربت المنظومة الأمنية والعسكرية والاستخبارية الصهيونية في الصميم، كل ذلك يشكل الرد الطبيعي الذي أفشل الحسابات والرهانات الصهيونية، وأدخل الصهاينة في ورطة عميقة ومتاهة كبرى لا زالوا يتخبطون في جنباتها العميقة، ولن يحصدوا من وراء كافة إجراءاتهم القمعية ومخططاته العنصرية سوى الخيبة والخسران بإذن الله.
لقد أظهرت الهبة الشعبية في القدس والأقصى، والعمليات البطولية في الضفة الغربية والداخل المحتل، وما حققته من ردع للغطرسة الصهيونية، أن شعبنا الفلسطيني قادر على التحرك الفاعل بالرغم من التعاون الأمني ومحاولات ضرب المقاومة في الضفة، وبالرغم من الصمت العربي والتآمر الدولي، وأنه قادر على الانتفاض الدائم اجتراح الفعل الثوري المبادر ضد الاحتلال في أحلك الظروف.
إن الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى المبارك، وسائر المقدسات الإسلامية والمسيحية، في وجه الاستباحة والإجرام والاستهداف الصهيوني، يجب أن ينأى عن أشكال الإدانة التقليدية التي تعتمد لغة الشعارات الجوفاء، وأن يعمد إلى اجتراح خطوات عملية وتبني برنامج عمل حقيقي، وفق رؤية منظمة وشاملة، تشارك فيها كافة القوى الوطنية والإسلامية، وسائر مؤسسات وشرائح وأطياف شعبنا، مؤكدين أن التوحد خلف قضية القدس والمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في وجه الأخطار المحدقة التي تتهددها، بعيدا عن الاعتبارات الفصائلية الضيقة، كفيل بإحباط المخطط الصهيوني الإرهابي الذي يتوسع ويتمدد بشكل خطير في ظل غفلة عربية بالغة وتواطؤ دولي معيب.
لقد آن الأوان كي تتحمل أمتنا العربية والإسلامية مسؤولياتها الدينية والتاريخية والأخلاقية في دعم القدس والأقصى والمقدسات، سياسيا وماديا ومعنويا، وتعزيز صمود أهلها في وجه الهجمة الشرسة التي تستهدف الأقصى وفي ظل تسارع مخططات التهويد الصهيونية، وإرساء رؤية واضحة تضمن كبح ومواجهة وإفشال هذه المخططات عبر حراك سياسي جاد ينتظم كافة المنظمات والمحافل الدولية.
إننا في المجلس التشريعي الفلسطيني نؤكد أن لغة المقاومة والصمود هي كلمة السر، أولا وأخيرا، في مواجهة الاحتلال الصهيوني وإحباط مخططاته ضد شعبنا وقضيتنا ومقدساتنا، فقد قلبت العمليات البطولية الأخيرة كل الموازين الصهيونية، وأعادت توجيه بوصلة الصراع إلى وجهتها الحقيقية ومسارها الصحيح من جديد، وأحيت البعد الشعبي ومفاعيل الانتماء الوطني الهادر في نفوس أبناء شعبنا.
وختاما.. فإننا على ثقة تامة بعد التوكل على الله أن شعبنا ومقاومته الباسلة قادرون بإذن الله على الدفاع عن مدينة القدس وعن المسجد الأقصى وسائر المقدسات الإسلامية والمسيحية، وقادرون بإذن الله على تحرير الأرض والمقدسات رغم كل التحديات والمؤامرات التي تتربص بأرضنا وشعبنا وأقصانا ومقدساتنا، فسيف القدس لم يغمد بعد، والمقاومة لم ترفع يدها عن الزناد.
"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"