الكاتب: رولا سلامة
يَا بَاغَيَ الخَيْرِ هَذَا شهرُ مَكرُمَةٍ أقبِل بِصِدقٍ جَزَاكَ اللهُ إحسَانَاً
يطل علينا شهر رمضان هذا العام، والعالم كله يعيش ظروفا مأساوية ، يطل علينا ونحن ما زلنا تحت الاحتلال ونعيش ظروفا غاية في التعقيد، ويمر علينا ونحن لم نتعافى من جائحة كورونا، وما أحدثته على حياتنا من مأسي وأوضاع اقتصادية غاية في الصعوبة، يعاني منها العالم أجمع، وبطالة تزداد، وفقر ينتشر، وأموال المانحين قلت، ومخصصات الفقراء توقفت، والغلاء ازداد.
يأتي رمضان هذا العام، وقد زادت الأوضاع الاقتصادية سوءا، وارتفعت أسعار المواد التموينية بشكل جنوني، وأصبحت حديث الناس ليل نهار، فكيف سيقضي الفلسطيني شهر رمضان المبارك، وكيف سيلبي احتياجات اسرته، وكيف سيوفر الطعام والشراب لأهل بيته، وماذا على الاسر المتعففة والفقيرة التي تعاني طوال العام من ضائقة وأوضاع مأساوية، ودخل منقطع، فهذا العام أصبحت الخضار سعرها بسعر الدجاج ، وتضاعفت أسعار كل المواد التموينية، فكان ملاذ الفقراء الخضار في الأعوام الماضية، وأما هذا العام، فأصبحت الخضراوات والدجاج واللحوم من المحرمات لارتفاع أسعارها.
ساد التفاؤل بداية العام ، مع قرار الحكومة الفلسطينية رفع الحد الادنى للأجور من 1450 شيكل الى 1880 شيكل، وهي ما تزال بعيدة عن خط الفقر في السوق الفلسطينية البالغة قرابة 2300 شيكل وفق بيانات جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني، وبعد البدء بتنفيذه ساد القلق بعد أن شاهدوا ارتفاع الاسعار للعديد من السلع الرئيسية في السوق الفلسطينية، ارتفاعا يتلوه ارتفاع ، وأعباء اضافية على كاهل الاسرة الفلسطينية، وقلق يراود الجميع عن كيفية استقبال الشهر الفضيل في ظل هذه الظروف الصعبة والمتمثلة في البطالة، الاوضاع الاقتصادية الصعبة، ارتفاع أسعار السلع الاساسية مثل الطحين والدجاج والخضراوات واللحوم وغيرها.
أبو أنور صاحب محل لبيع الخضار يعمل منذ سنوات، يقول عند سؤاله عن سبب ارتفاع أسعار الخضراوات والفاكهة كل عام قبل شهر رمضان المبارك مباشرة " ان ارتفاع أسعار السلع المستوردة، يعود لجائحة كورونا والتي أدت الى تقييد حركة الموانىء والنقل التجاري، وكذلك لجشع التجار واحتكارهم للعديد من الأصناف، وأيضا لا ننسى البرد الشديد والصقيع الذي أدى الى تلف العديد من أصناف الخضراوات ".
أم العبد ، سيدة في الخمسين من عمرها، تقول أنها اعتادت أن تقوم بشراء احتياجات المنزل بنفسها، وعند سؤالها عن أسعار الفاكهة والخضار " الاسعار نار، والخضار قارب سعرها سعر الدجاج، فسعر كيلو الفاصولياء 23 شيكل ، وسعر كيلو البندوره 10 شيكل ،وسعر كيلو الدجاج 20 شيكلا، وسعر كيلو لحمة الخاروف 95 شيكل، فكيف سنقضي رمضان هذا العام؟ وكيف سنجهز طعام الافطار؟"
اننا كشعب يعيش تحت الاحتلال، يعاني ما يعانيه من مصادرة لثرواته وموارده الاقتصادية، ومصادرة لأراضيه الزراعية، واستمرار لسياسة اقتلاع الاشجار المثمرة وأشجار الزيتون، والتي تشكل دخلا رئيسيا لبعض الاسر الفلسطينية، هذا اضافة لتحكم الاحتلال باصدار تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين وربطها دوما بالاوضاع السياسية، فتارة يتم اصدار الاف تصاريح العمل لعمال من الضفة الغربية للعمل في الداخل المحتل، وأحيانا اخرى تلغى هذه التصاريح بسبب تدهور الأوضاع السياسية والأمنية .
ولا ننسى هنا أن الحكومة مقصرة في العديد من النواحي، مقصرة في موضوع الرعاية الاجتماعية للأسر الفقيرة ، والاسر التي يتواجد بها أفراد من ذوي الاعاقة ، والاسر التي يتواجد بها مسن أو مسنة، والأسر التي تعيلها النساء، فهؤلاء جميعا يشكلون النسبة الأكبر من الشعب الفلسطيني ولهذا نجد أن الفقر يزداد ، وأن الحاجة لدعم الأسر ومساندتها خلال شهر رمضان أو باقي أشهر العام هي حاجة ملحة ومسؤولية اجتماعية وأخلاقية ودينية كبيرة .
أن شهر رمضان معروف للجميع بأنه شهر التكافل الأسري والتكافل الاجتماعي، وشهر التقرب لرب العباد ليس فقط بالطاعات والعبادات، بل أيضا بمساعدة الفقراء والمساكين، ودعم الأيتام والأرامل، وتوفير احتياجاتهم ، أولا خلال شهر رمضان المبارك وثانيا خلال أشهر العام كاملا .
مشرفة في احدى مدارس الرعاية الاجتماعية في الضفة الغربية تقول لنا " هذا العام أوضاعنا ستكون صعبة للغاية، فعادة قبل رمضان باسبوعين أو أكثر، يزورنا بعض التجار ليسألونا عن احتياجاتنا واحتياجات الأطفال خلال الشهر المبارك، ولكن هذا العام مختلف تمام، فلم يأت أي أحد ليسألنا، وهذا مؤشر خطير، فالجميع يدعي أن كورونا أثرت عليهم وعلى دخلهم، والتجار يشكون أن أموالهم بالسوق، ولا يستطيعون تحصيلها، فالجميع يشكون من الأوضاع الصعبة، فكيف سندبر أمورنا وأمور أطفالنا، فالطعام والشراب والحليب والفاكهة والحفاضات ، كلها مكلفة وتحتاج للمال ، ولا يوجد مال لدينا".
شهادات حية لأفراد في مجتمعنا يمثلون الأغلبية، ويعطون صورة قاتمة عن الأوضاع الاقتصادية خلال رمضان هذا العام، فكيف بنا أن نجعل هذا الشهر مختلفا، مميزا، يدعم الفقراء والمحتاجين، ويوفر احتياجات الأسر الفقيرة، ويرسم الابتسامة على وجه الكبير والصغير .
ان المسؤولية عن هذه الأوضاع الصعبة بالدرجة الأولى تقع على عاتق الحكومة الفلسطينية، والتي لم توفق أبدا خلال هذا العام والأعوام السابقة بمراقبة التجار، ومنعهم من رفع أسعار المواد التموينية قبل رمضان، فهذه ظاهرة نعيشها كل عام قبل رمضان، ولم تفكر وزارة الاقتصاد أو غيرها من الوزارات بايجاد الحلول لها، أو بسن قوانين أو حتى ايجاد طرق لمعاقبة وردع للتجار الذين يتلاعبون بالأسعار على أهوائهم.
اننا مطالبون وفي ظل هذه الظروف الصعبة، والفقر الذي بدأ ينهش جسم الأسرة الفلسطينية ، أن نمد يد العون والمساعدة لمن هم بحاجة لها، أن نوفر بعض احتياجات هذه الأسر، وبعض احتياجات بيوت الايواء والجمعيات والمؤسسات التي تحتضن الايتام والمسنين، فها قد مر أكثر من اسبوع على بدء الشهر الفضيل ، وأسعار الخضار ما زالت مرتفعة للغاية، والدجاج كذلك، والاسر تعاني وتشكو من صعوبة الحياة في ظل هذا الغلاء الفاحش، ولنهيب بالتجار أن يخافوا الله في هذا الشهر المبارك، ولا يحتكروا المواد التموينية، وأن يراعوا أن بيننا عشرات الاف الاسر الفقيرة والتي تعتمد على مخصصات وزارة التنمية الاجتماعية والتي لم تستلم مخصصاتها منذ عام تقريبا، فالرحمة يا عباد الله .
الكاتبه : الاعلامية رولا سلامه هي مديرة التواصل الجماهيري والتثقيف في مؤسسة "جست فيجن " ومنتجة أفلام وثائقية ومعدة ومقدمة برنامج فلسطين الخير على فضائية معا. والمدير العام لمؤسسة فلسطين الخير، المقال من سلسلة مقالات اسبوعية تتحدث عن فيروس كورونا والحياة في زمن كورونا وتأثيره على المجتمع الفلسطيني .