الكاتب:
المحامي علي أبوهلال
في تطور خطير وفي إطار سياستها المستمرة للاعتداء على المقدسات الدينية، وانتهاك حق وحرية العبادة في القدس المحتلة، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي صباح يوم الجمعة الماضي الموافق 15 أبريل 2022 باقتحام واستباحة المسجد الأقصى، مستخدمةً قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، مما أدى إلى إصابة عدد كبير من المصلين وحراس المسجد الأقصى والصحفيين والمسعفين وغيرهم، واعتقال المئات منهم والاعتداء عليهم والتنكيل بهم، وإلحاق الضرر والجسيم بالمسجد الأقصى وساحاته ومرافقه المختلفة. ووفقا لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية إن ما جرى من استباحة للمسجد الأقصى بشكل عام وتدنيس للمسجد القبلي، وتحطيم نوافذه واقتحامه بالأحذية، والاعتداء على المصلين المسلمين الآمنين داخله هو دفع باتجاه حرب دينية.
ويأتي هذا الاعتداء السافر تنفيذاً لمخطط حكومة الاحتلال الاستيطانية، الهادفة للسيطرة على المسجد الأقصى بساحاته ومرافقه ومبانيه ومساجده، وإرضاء للمستوطنين الذين يعملون صباح مساء، للسيطرة عليه وممارسة طقوسهم وشعائرهم التلمودية الداعية لذبح القرابين، بهدف إقامة هيكلهم المزعوم الذي نفت كل لجان الآثار وجوده داخل حدود المسجد الأقصى.
إن هذا الاعتداء الهمجي لقوات الاحتلال والمتواصل بشكل يومي، هو حدث خطير ينبغي التوقف أمامه بجدية بما يتناسب وحجم الخطورة التي يمثلها، خشية استمراره وتكريسه كحدث يومي بهدف الوصول الكلي للتقسيم الزماني والمكاني لمسجد الأقصى، كما حدث في الحرم الإبراهيمي الذي يعيش وضعاً قاسياً وصعباً نتيجة لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي اليومية فيه.
إن المسجد الأقصى بكامل مساحته وباحاته، هو مكان مقدسي إسلامي، ولا حق لغيرهم فيه، وأن حرية العبادة يجب أن تكون مضمونة فيه، إلا أن الاحتلال يستمر في اختلاق الاستفزازات، من خلال الاقتحامات المستمرة لعصابات المستوطنين، على مدار العام، وزاد عليها تهديدات عصابات المستوطنين الإرهابية باقتحام الأقصى خلال أيام الفصح العبري للقيام بطقوس دينية يهودية.
ان قيام حكومة الاحتلال بمنع المصلين من أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من الوصول للمسجد، وإغلاق البوابات وحشر الناس في البلدة القديمة وغيرها من الاعتداءات عليهم والتنكيل بهم، وشن حملات الاعتقالات بحقهم، وابعادهم عن الأقصى، ما يحول دون ممارسة حقهم في العبادة وأداء شعائرهم الدينية، يعتبر انتهاك صارخ للقانون الدولي وقانون حقوق الانسان، ولا يجوز السماح به أو السكوت عليه.
كما أن تصرّف حكومة بينيت الاحتلالية هذا يهدف إلى تصعيد خطير في سياستها التي تستهدف تهويد القدس والسيطرة عليها.
إن حكومة الاحتلال الاسرائيلي تتحمل المسؤولية الكاملة عن تداعيات استمرار مثل هذه الجرائم والاعتداءات اليومية ضد الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، وما لم تواجه هذه السياسة بموقف فلسطيني وعربي ودولي حازم، فان قوات الاحتلال ستواصل اعتداءاتها ضد المسجد الأقصى، وسائر المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية، وهذا ما سيشجع المستوطنين والجماعات الإرهابية والدينية اليهودية المتطرفة، الاستمرار في اقتحامات المسجد الأقصى، وتدنيس حرمته وقدستيه.
وكان رئيس حركة "عائدون إلى الجبل"، رفائيل موريس قد أكد إن الإعلان في الشبكات الاجتماعية حول دعوة هذه الحركة إلى "ذبح قرابين" في ساحات المسجد الأقصى صحيح، حيث كانت حسابات إسرائيلية قد نشرت "بوسترات مصممة" من جماعات "الهيكل" تروج فيها لدفع مبالغ مالية لكل من يستطيع ذبح القربان، فيما قامت مجموعة من المستوطنين منذ أيام بينهم حاخامات باقتحام الأقصى، والحديث علناً في مقاطع فيديو عن ذلك، ناهيك عن إقدامهم لتمثيل ذلك في منطقة قريبة من المسجد الأقصى.
تحولت ساحات المسجد الأقصى المبارك نهاية الأسبوع الماضي وفي الأيام الماضية الى ساحة حرب باستباحته، والاعتداء على المصلين الصائمين بالقنابل الصوتية، والهراوات والأعيرة المطاطية والرصاص الحي، وغاز الفلفل واعتقال المئات منهم بهدف إخلاء الاقصى من المصلين، وبعد اخلاء الاقصى ومحاصرة البعض في مسجد قبة الصخرة المشرفة، اقتحمت القوات الخاصة والشرطة المكان واعتدت بشكل وحشي على المتواجدين وأجبرتهم على الجلوس ارضا وقيدتهم، ثم اقتادتهم الى مراكز التوقيف والاعتقال، حيث تعرضوا للضرب والتنكيل والتعذيب.
ان ردة الفعل الرسمية الفلسطينية والعربية والدولية على اقتحام واستباحة المسجد الأقصى، والاعتداء على المصلين داخله، لا تتناسب مطلقا مع هذه الهجمة المسعورة من قبل حكومة الاحتلال ضد المسجد الأقصى الخالص بمساحته الـ 144 دونماً، الموقوفة على المسلمين، الذين يطالبون الآن بالعمل بجدية وسرعة، لكف يد قوات الاحتلال عن الاستمرار بهذه الاعتداءات والانتهاكات الخطيرة التي تمس المسجد وللمصلين العزل.
وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته للوقوف أمام التزاماته السياسية والقانونية والحقوقية بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الانسان، وممارسة كافة أشكال الضغط على حكومة الاحتلال من أجل وقف اعتداءاتها على المقدسات الدينية الاسلامية والمسيحية، ووقف انتهاكاتها المتواصلة لحق وحرية العبادة، ومنع المستوطنين والجماعات الإرهابية والدينية المتطرفة، من مواصلة اقتحام المسجد الأقصى وباحاته وانتهاك قدسيته وحرمته بممارساتهم العنصرية وغير القانونية.