الكاتب: هيثم زعيتر
عندما يُذكر اسم اللواء صلاح التعمري، يلقى كل استحسان وثناء، نظراً لمآثره ومواقفه، التي تشمل المجالات كافة، فلم يتغيّر فيها أو يضعف، بل كان مثالاً للشجاعة والثبات والصمود، وطلائعياً، وقُدوة في أي من المهام.
كُنا نسمع عن اللواء صلاح التعمري، الشاب الوسيم، الرياضي، الشجاع الجريء، ذُو الأخلاق الرفيعة، ودوره في مدينة صيدا، ونضالاته، إلى أن تشاء الظُروف، ونلتقي به لدى عقد "المُؤتمر العام السادس لحركة فتح" في شهر آب/أغسطس 2009 في بيت لحم، التي كان يتولى مهام المُحافظ فيها، فاستقبل الوافدين من لبنان بكل ترحاب، وغالبية كبيرة منهم كانت بينهم ذكريات مُشتركة.
كثرٌ يعرفون اسم اللواء صلاح التعمري، الذي طغى على اسمه الحقيقي، أسعد سليمان حسن عبد القادر سليمان، المولود في بلدة زعترة - جنوب شرق مدينة بيت لحم في الضفة الغربية، بتاريخ 27 تشرين الأول/أكتوبر 1942، قبل نكبة فلسطين في العام 1948.
كان في طليعة المُلتحقين بصفوف الثورة الفلسطينية عند انطلاقتها، فتعددت مأثره في مُختلف المناطق التي حطّ بها الرحال مع الثورة الفلسطينية، في "معركة الكرامة" في 21 آذار/ مارس 1968، وانتقاله معها إلى لبنان بعد العام 1970، مع زوجته الشريفة دينا بنت عبد الحميد (الزوجة الأولى للعاهل الأردني الملك حسين بن عبدالله)، حيث اختار الإقامة في مدينة صيدا، وتحديداً في بناية إبراهيم السنيورة في التلة البيضاء، ليكون جار مُفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان، قبل انتقاله إلى منطقة حارة صيدا.
نسج في "عاصمة الجنوب" علاقات مع الفاعليات الصيداوية، تفاعل مع أهلها، وكان له دور بارز في تأسيس "الجبهة المُساندة لحركة فتح"، التي ضمّت نُخبة من الشباب الصيداوي المُندفع والمُناضل لأجل القضية الفلسطينية، في طليعتهم: حسيب عبد الجواد، الدكتور باسل عطالله، خليل عطية، فاروق الزعتري، فاروق الزين، الدكتور يوسف جباعي وعزت كنعان وآخرين.
بقي على تواضعه يسير من دون مُرافقة ومواكب، بعيداً عن الضوضاء، وركّز في عمله على الأشبال والزهرات، الذين كان لهم دور بطولي في مُواجهة الغزو الإسرائيلي في حزيران/ يونيو 1982، خاصة أشبال "الأربيجي" في مُخيم الرشيدية، الذين ألحقوا خسائر فادحة بالمُحتلين.
خلال ذلك الغزو، بقي التعمري صامداً يقود مُواجهات التصدي للمُحتل، الذي اعتقله ونقله إلى "معمل صفا" - جنوبي صيدا.
حدّثني الدكتور محمد حسيب البزري أنه سمع آنذاك حواراً أجرته إذاعة "بي. بي. سي" مع التعمري، فسأله المذيع: "مش حرام تحمل الأطفال السلاح (في تعليق على أطفال "الأربيجي" في مُخيم الرشيدية)؟".. فكان رد التعمري بثقة: "اللي بيسكن جنب النهر أول شي بعلّم أولاده السباحة".
بعدها نقله الاحتلال إلى داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلة، قبل افتتاح "معتقل أنصار1"، في 14 تموز/يوليو 1982، وقام بعزله ووضعه في سجن انفرادي، مُمارساً شتى أنواع التعذيب، إلّا أن ذلك لم يزده إلا إيماناً بعدالة قضيته، فأضحى قائداً للمُعتقل، يعمل على شدّ أزر الأسرى في مُواجهة الجلّاد، وتثقيفهم، وبثّ فيهم روح النضال وتعزيز التضامن فيما بينهم في انتفاضتهم بمُواجهة المُحتل.
استطاعت زوجته الشريفة دينا - التي تركت كل امتيازات الحياة، لتناضل من أجل القضايا الوطنية - استثمار اتصالاتها وتحقيق أكبر عملية تبادل بين "مُنظمة التحرير الفلسطينية" والاحتلال الإسرائيلي، بوصفها عضواً في لجنة المُفاوضات عن "مُنظمة التحرير الفلسطينية"، تحت إشراف القائد خليل الوزير "أبو جهاد"، وذلك في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1983، فأطلقت المُنظمة سراح 6 جنود إسرائيليين، كانت قد أسرتهم في اجتياح العام 1982، مُقابل إفراج الاحتلال عن 4700 مُعتقل، وصل غالبيتهم إلى الجزائر، فيما فضّل آخرون أُطلق سراحهم البقاء في لبنان.
عاد صلاح التعمري مع الرئيس ياسر عرفات إلى فلسطين، وتولّى مهام عدة: عضو في المجلس الثوري لحركة "فتح"، والمجلس الاستشاري في الحركة، وعضو في المجلس العسكري، والمجلس الوطني الفلسطيني، والمجلس المركزي الفلسطيني، والمركز التشريعي الفلسطيني، ووزيراً للشباب والرياضة ومُحافظاً لبيت لحم، حيث قاد المُفاوضات للفدائيين في كنيسة بيت لحم في أيار/مايو 2002، ومُستشاراً للرئيس الفلسطيني محمود عباس لشؤون الاستيطان والجدار.
يرحل صلاح التعمري، الذي ووري جثمانه الثرى في مسقط رأسه بلدة زعترة، بعد مسيرة نضالية حافلة بالعطاء والتضحية من أجل قضية فلسطين، التي ناضل من أجلها بكل ما استطاع.