الكاتب: السفير حكمت عجوري
قبل ايام احيت اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال ذكرى الهولوكوست (المحرقة) التي وعلى الرغم من استنكارنا لها لبشاعتها وشجبنا لها لكونها جريمة ضد الانسانية الا ان احياء اسرائيل لهذه الذكرى في كل سنة وفي كل بلد في العالم لها فيها تمثيل ديبلوماسي من خلال سفاراتها غير مكتفبة باحياء ذكراها في اسرائيل، ذلك يثير تساؤل عن حقيقة ما الذي تريده الحركة الصهيونية من كل هذه الطقوس السنوية المبالغ فيها وهو ما يشجعني على القول بان احياء الذكرى تعكس رغبة صهيونية جامحة للابقاء على ذكرى المحرقة كجرح نازف لا يبرأ ابدا ليس في جسد اسرائيل فقط وانما في جسد كل من شارك في الحرب العالمية الثانية وذلك على الرغم من انها حدثت في لحظة تاريخية محددة وتجمدت ونال الجناة النازيين عقابهم وتم دفع التعويضات للضحايا من اليهود اضافة الى الى انها اي المحرقة لم تتكرر وهو ما يعني ان احياء الذكرى من المفروض ان يكون بمثابة احتفاء بانتصار الخير على الشر وشكر وتقدير من قبل اسرائيل وكل اليهود في العالم لكل من تصدوا للنازية وحاربوها بشراسة وانتصروا عليها وبهذا الانتصار انتصرت الانسانية.
وفي هذا السياق لا بد وان نذكر بان عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية بلغ حوالي خمسين مليون منهم ستة ملايين من اليهود واكثرمن عشرين مليون من الروس ومع ذلك تحيي روسيا ذكرى تلك الحرب في التاسع من شهر مايو تحت عنوان الانتصار على النازية وهو ما يجب ان يفعله اليهود احتراما لارواح قتلاهم واحتراما لكل الارواح الاخرى التي أُزهقت دفاعا عن الانسانية حمعاء ، الا انه وعلى العكس من كل ذلك نرى ان احياء اسرائيل لهذه الذكرى وبهذه الطريقة المبالغ فيها على الاقل في نظر ضحايا الصهيونية من الفلسطينيين ان ما تفعله دولة الاحتلال هو مجرد شاشة دخان تغطي بها على ما ترتكبه اسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية مستمرة لا تتوقف بحق كل الفلسطينيين لكونهم اصحاب الارض التي قامت او اقيمت اسرائيل عليها ككيان صهيوني عنصري احتلالي احلالي .
قيام اسرائيل تسبب بقتل وجرح مئات الالاف من الفلسطينيين على يد العصابات الصهيونية كما وتسبب ايضا في تشريد ستة ملايين فلسطيني يعيش معظمهم اليوم في ظروف غير انسانية في مخيمات اللجوء بعد ان حرمتهم اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال من العيش والعودة الى ديارهم وديار اجدادهم بعد ان دمرتها العصابات الصهيونية ومن اجل ذلك استعانت الحركة الصهيونية بسيف العداء للسامية وابقته مسلطا على رقاب كل من ينتقدوا جرائمها بالرغم من انه سيف وهمي وخادع بدليل انه يتحول الى سيف من ورق عندما يكون الخصم يهودي خصوصا من اليهود الذين لا يمكن التشكيك بيهوديتهم وهو ما يعطي مصداقية لما يقولونه وفي هذا الصدد اقتبس ما قاله البعض بخصوص الجرائم التي ترتكبها اسرائيل و من هؤلاء الراحل السير جيرالد كوفمان وهو يهودي سياسي من زعامات حزب العمال والاهم انه من اصدقاء اسرائيل يقول مخاطبا زملائه من اعضاء البرلمان البريطاني " اسمي جيرالد كوفمان واقر بان اسرائيل دولة ارهابية ، جدتي كانت مريضة في السرير عندما وصل الجنود النازيون الى بلدتها واطلق جندي نازي عليها النار وقتلها مضيفا بان جدتي لم تمت من اجل اعطاء مبرر لجنود اسرائيل لقتل الجدات الفسطينيتات في غزة ".
على الجانب الاخر هناك من قال اكثر من ذلك وهويعقوب شاريت ابن وزير خارجية أسبق وثاني رئيس وزراء لدولة الكيان ما يعني انه سليل عائلة صهيونية عريقة يقول "ولدت اسرائيل في الخطيئة ..انا اتعاون مع دولة اجرامية". (جريدة هارتس 19/9 /2021).
.ما قاله الراحل كوفمان واضاف عليه شاريت الذي يكبر اسرائيل باكثر من عقدين من الزمن اضافة الى ما ذكره المؤرخ اليهودي ايلان بابي في العديد من مؤلفاته التي اسقطت ورقة التوت عن عورة الرواية الصهيونية ، كل ذلك هو غيض من فيض لشهادات تستمد مصداقيتها من كون هؤلاء واقرانهم من اهل البيت اليهودي وهو ما يؤكد على حقيقة واحدة وهي ان الرواية الصهيونية هي رواية مليئة بالكذب والخداع ليس خداع العالم فقط وانما خداع اليهود انفسهم خدمة للايدولوجية الصهيونية التي انجبت اسرائيل في الخطيئة كما يقول شاريت بالرغم من كل المحاولات التضليلية من الجركة الصهيونية لاضفاء نسب تاريخي وتوراتي مزيف على هذه الدولة التي هي فعلا ولدت في الخطيئة نتيجة علاقة غير شريفة بين بريطانيا والحركة الصهيونية.
اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال تقوم على نسبة 78% من مساحة فلسطين التاريخية بعد ان استولت بالقوه ابان حرب النكبة على نصف المساحة المخصصة للدولة الفلسطينية وذلك بحسب قرار التقسيم رقم 181 ودمرت حوالي خمسمائة خربة وقرية وبلدة ولم يعد لها اي اثر ولم تتوقف تلك الجريمة الصهيونية التي ارتكبها الناجون من المحرقة النازية بحق الفلسطينيين بل استمروا هم واحفادهم بمسلسل القتل والجريمة بحق الفلسطينيين ولم تكن مجزرة قبية سنة 1953 على يد شارون الا مجزرة واحدة من عشرات المجازر التي ارتكبتها دولة الاحتلال مثلا لا حصرا دير ياسين وكفر قاسم والدوايمة وصبرا وشاتيلا ومخيم جنين وغيرها ليستمر مسلسل الجريمة و لم يتوقف والى يومنا هذا والدمار في غزة يشهد على ذلك.
اليهود الصهاينة الناجون من المحرقة والذين ما زال منهم اكثر من 160 الف يعيشون في اسرائيل هؤلاء كما انهم شهود على المحرقة كجريمة ضد الانسانية اقترفها النازيون بحق اليهود ، هم ايضا شهود على نكبة (كارثة) الشعب الفلسطيني كجريمة ضد الانسانية اقترفها ابناء جلدتهم من اجل قيام كيانهم الصهيوني العنصري واكثر من ذلك هو ان هذه النكبة لم تتوقف وانما ابقى الاحتلال الصهيوني عليها مسلسل جرائم متواصل لا نهاية له والى يومنا هذا وذلك كما اسلفت على عكس المحرقة التي نجوا منها والتي يحيي كيانهم الصهيوني ذكراها في كل سنة بالرغم من انها تجمدت ولم تتكرر كجريمة نازية انتهت بنهاية الحرب العالمية الثانية .
ما سبق يستدعي بل يستوجب اخلاقيا ان يكون احياء ذكرى المحرقة مناسبة لتذكير اسرائيل وكل اليهود في العالم وكل من يشلركهم في ان نكبة (كارثة) الشعب الفلسطيني ما زالت مستمرة ولا بد لها ان تتوقف، حتى لا يكون احياء ذكرى المحرقة بالطريقة اتي ذكرناها مناسبة للتغطية على جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني وفي نفس الوقت ابتزاز صهيوني غير اخلاقي لكل الدول التي شاركت في الحرب التي انتهت قبل قيام قيام اسرائيل.
.