الكاتب:
باسم موسى حسن
في الماضي، كان العمل السياسي بالنسبة للقوى السياسية اليمنية التقليدية، مجرد ممارسات دعائية لإثارة حماس الشارع وتحفيز المناصرين، للوصول إلى هدف مخطط له، يرتبط كليا بالمصلحة الحزبية التي تخدم التيار السياسي نفسه، ولا علاقة لها بالمصالح الجمعية والوطنية؛ غير أن الحاصل الآن قد صار إلى واقع آخر تمامًا، مع دخول تيارات سياسية جديدة أكثر حماسة لرعاية مصالح الجماهير.
نتحدث هنا عن المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية، المكونين اللذين تمكنا من الوصول إلى صدارة المشهد السياسي اليمني، في ظرف وجيزٍ متكئين على حصاد الإنجاز العسكري ضد الحوثيين، وتبني مصالح الجماهير أو الدفاع عنها. مقابل ذلك، تراجع دور القوى السياسية التقليدية اليمنية بشكلٍ كبير، لعدة أسباب، في المقدمة، مشاركة هذه القوى في تعبيد الطريق أمام الحوثيين المدعومين من إيران لاقتحام العاصمة صنعاء، والفساد الذي نشرته على جميع مؤسسات الدولة عبر كوردها وشل قدرة هذه المؤسسات عن العمل وحصر نشاطاتها لخدمة مصالحها.
وربما كان أهم ما قوّى منظومة مجلس القيادة الرئاسي، هو وجود المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الوطنية في تسكليته، لكونهما القادران على إدارة الدولة سواء في ظل الحرب أو التعامل مع مساعي السلام التي تبذلها الأمم المتحدة لإيقاف الحرب المستعرة منذ ثمانية أعوام. وجود فرصة للسلام في ظل وصول هذين المكونين إلى سلطة القرار العليا في البلاد تبقى كبيرة، ذلك، أنهما تيارات معتدلة واكثر ميلًا للسلام، وترحيبًا به.
وحتى اللحظة، تبدو الأولوية في قائمة المكونين هي إعادة بناء مؤسسات الدولة وتخفيف المعاناة عن المواطنين، وإعطاء الفرصة لمساعي السلام، وإشاعة الأجواء الإيجابية تجاهه في كافة المستويات. كرر رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي في الكثير من تصريحاته الترحيب بمساعي السلام والتمسك بالهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة، لكن هذا السلام مرهون كما أكد بالتزام الحوثيين المدعومين من إيران.
بالنسبة لجماعة الحوثي، السلام في الأثناء ليس أولوية كما توحي تحركات عناصرها على الأرض، فثمة خروقات مستمرة للهدنة على الأرض بما في ذلك، الهجمات على المواقع العسكرية وقصف المدن بالصواريخ الباليستية كما حدث في محافظة مأرب، أضف إلى ذلك، عرقلة تسير الرحلات التجارية من مطار صنعاء الدولي إلى الأردن ومصر.
وهذه هي المشكلة التي تعاني منها اليمن، ليس هناك الكثير من الأطراف ميلًا إلى السلام، أحدها جماعة الحوثي، وأطراف أخرى حتى داخل معسكر الشرعية اليمنية، لأنها ترى من السلام تهديد وجودي لها، يقضى على نفوذها المفروض بالقوة، وعلى مصالح الهرم القيادي فيها، كالتجارة، والفساد، والمحسوبية، وافتعال الأزمات للإثراء.
مع ذلك، يبقى الأمل قائمًا على قدرة المجلس الانتقالي والمقاومة الوطنية في فكفكه العُقد أمام جهود السلام، خصوصًا أنهما يملكان قوتين عسكريتين وحاضنة شعبية يمكن عبرها الضغط نحو دفع الأطراف الأخرى للاستجابة للمساعي الدولية، والقضاء على مصالح الأطراف التي تعرقل المساعي داخل معسكر الشرعية، بالتوجه نحو القضاء على الفساد المتغلغل في المؤسسات الحكومية.