الكاتب:
محمد الحنفي
الوضوح في التصور:....1
إن الوضوح، عندما يتحقق على مستوى الرؤيا، التي تحكم النظرية، والممارسة، وتحكم القول، والعمل، وتحكم مسار اليسار، بصفة عامة، سواء كان إصلاحيا، أو اشتراكيا، أو شيوعيا.
فإن هذا الوضوح، ينسحب، كذلك، على التصور، الذي يحكم اليسار، يقتضي منه، أن يكون واضحا: أيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا، وفي العلاقة مع الطبقات الاجتماعية، التي تتفاعل مع مستوى الإصلاح، ومع مستوى التغيير الاشتراكي، أو التغيير الشيوعي.
وللتعامل مع الوضوح في التصور، فإننا، كذلك، نتفاعل مع مع الأسئلة المطروحة، في هذا الإطار، مقاربين الإجابة على كل سؤال على حدة، سعيا إلى جعل المتلقي يتعامل مع الوضوح في التصور: أيديولوجيا، وتنظيميا، وسياسيا.
وأو ل سؤال يتم طرحه في هذا الإطار هو:
ما طبيعة تصور اليسار للأيديولوجية؟
وقبل مقاربة الجواب، على هذا السؤال، نتساءل:
ما المراد بالأيديولوجية، التي تلاك كثيرا، وتستهجن في أفق التنفير منها؟
وما هي أنواع الأيديولوجية السائدة في المجتمع؟
وهل يمكن أن توجد طبقات اجتماعية بدون أيديولوجية؟
إن الأيديولوجية، التي نلوكها كثيرا، في الخطابات العامة، وفي الخطابات الحرجة بالخصوص، وخاصة في الخطابات الثقافية، لا تتجاوز أن تكون مجموعة من الأفكار، التي تعبر تعبيرا معينا، عن مصالح طبقة اجتماعية معينة: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية. وهو ما يترتب عنه: أن التنظيم الحزبي، الذي يقف وراء تكونه، طبقة اجتماعية معينة، يقوم على أساس الأيديولوجية، التي تقتنع بها تلك الطبقة الاجتماعية، التي تضع برنامجا سياسيا لحزبها، بهدف العمل على جعل السياسة المتبعة، تخدم مصالحها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن أجل حماية مصالحها المتحققة، والعمل، كذلك، على تحقيق ما لم يتحقق، كأهداف يسعى الحزب إلى تحقيقها على أرض الواقع.
والأيديولوجية كأفكار، معبرة عن مصالح كل طبقة اجتماعية على حدة، تختلف باختلاف الطبقات الاجتماعية. فللطبقة الإقطاعية أيديولوجيتها، وللطبقة البورجوازية أيديولوجيتها، وللبورجوازية الصغرى أيديولوجيتها، التي تعتبر خليطا من الأيديولوجيات المختلفة، وللطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أيديولوجيتهم، وكل الأيديولوجيات المعبرة عن المصالح الطبقية، للطبقات الاجتماعية المستغلة، أو المستفيدة من الاستغلال المادي، والمعنوي، هي مجرد أوهام، لا علاقة لها: لا بالعلم، ولا بالفكر العلمي، باستثناء أيديولوجية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، التي تعتمد القيام على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، بقوانينها: المادية الجدلية، والمادية التاريخية، التي يوظفها الحزب المقتنع بالاشتراكية العلمية، في التحليل الملموس، للواقع الملموس، لتصير بذلك أيديولوجية علمية.
والأيديولوجية العلمية، هي الأيديولوجية القائمة على أساس علمي، وتنتج فكرا علميا، وتفرض على المقتنع بها، إنتاج ممارسة علمية، وترفض إنتاج الفكر المزدوج، والممارسة المزدوجة، وتسعى، باستمرار، إلى التطور، تبعا لتطور قوانين الاشتراكية العلمية، التي تتطور، بدورها، بناء على تطور القوانين العلمية، وقوانين التقنيات، وتطور الآداب، والفلسفة، وغيرها، مما يحق لها، فعلا، معبرة تعبيرا علميا، عن مصالح الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مما يجعلها، كذلك، ترتقي إلى مستوى صيرورتها أيديولوجية المجتمع ككل، باعتبارها معبرة عن مصالحه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
ولذلك، فطبيعة جميع الأيديولوجيات، طبيعة وهمية، باستثناء أيديولوجية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، التي تكتسب، باعتمادها على قوانين الاشتراكية العلمية: المادية الجدلية، والمادية التاريخية، في تطورها، كونها أيديولوجية علمية، وتجعل، بعلميتها، الأفكار التي تجعلها معبرة عن مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، أفكارا علمية، لا تصمد أمامها الأفكار المعبرة عن مصالح الطبقات الممارسة للاستغلال، والمستفيدة منه.
وبناء على ما رأيناه، فإنه لا يمكن أن توجد طبقة اجتماعية، بدون مصالح طبقية: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية؛ لأنه لا يمكن أن توجد طبقة اجتماعية، بدون مصالح طبقية: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية؛ لأنه لا يمكن أن توجد طبقة اجتماعية، بدون وجود مصالح طبقية، باستثناء الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين تعتبر مصالحهم، هي نفسها مصالح المجتمع ككل. إلا أن أيديولوجية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، القائمة على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، هي أيديولوجية الشعب، في نفس الوقت، الذي تعبر عن مصالحه المختلفة، على أساس علمي دقيق.
وبعد وقوفنا على المراد بالأيديولوجية، التي يجب أن نفصل فيها بين الأيديولوجية العلمية، وغير العلمية، وأنواع الأيديولوجية السائدة، في أي مجتمع.
وهل يمكن أن توجد طبقات اجتماعية بدون أيديولوجية؟
ونعود إلى مقاربة الجواب على السؤال:
ما طبيعة تصور اليسار للأيديولوجية؟
إن تصور اليسار للأيديولوجية، مختلف، واختلافه، يدخل في إطار توجهات اليسار الإصلاحية، والاشتراكية، والشيوعية. وهو ما يعني: أن أيديولوجية اليسار، تتكون من مجموعة من الأيديولوجيات المعتمدة، والتي قد تكون متباعدة، وقد تكون متقاربة، بسبب فهم اليساريين للاشتراكية العلمية، ولقوانين المادية الجدلية، والمادية التاريخية، إن تم اعتمادها كليا، أو جزئيا، في تطورها، أو عدم تطورها، حسب اقتناع توجه اليسار الكلي، أو الجزئي، أو عدم اقتناعه، أصلا، بالاشتراكية العلمية، حتى وإن كان يدعي أنه اشتراكي.
وانطلاقا من تعدد توجهات اليسار، وتعدد أيديولوجياته، فإننا سنكتفي هنا بالوقوف على توجهات ثلاثة:
ـ توجه اليسار الإصلاحي.
ـ توجه اليسار الاشتراكي.
ـ توجه اليسار الشيوعي.
فتوجه اليسار الإصلاحي، غالبا ما تكون أيديولوجيته مركبة، من مجموعة من الأيديولوجيات، نظرا لكون اليسار الإصلاحي، لا يناضل من أجل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولا من أجل الجماهير الشعبية الكادحة، ولا من أجل الشعب الكادح، بقدر ما يناضل من أجل تحقيق التطلعات الطبقية، لكونه مريضا بتحقيق التطلعات الطبقية، التي تجعله، في حالة تحققها، يغير موقعه من اليسار إلى اليمين، لا العكس. وبالتالي: فإن أيديولوجيته هي أيديولوجية لقيطة، وليست أصيلة؛ لأن الإصلاحي متلون، يغير وجهه بين لحظة وأخرى، حسب المصلحة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يصير اليساري الإصلاحي، متربعا على فراش الأمل، في تحقيق التطلعات الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تمكن من تغيير الموقع، من اليسار الإصلاحي، إلى اليمين، ومن الحزب الساري الإصلاح،ي إلى الحزب اليميني، الذي قد يكون جميع أعضائه: إما ممارسين للفساد الاقتصادي، وإما ممارسين للفساد الاجتماعي، وإما ممارسين للفساد السياسي، خاصة، وأن ممارسة كافة أشكال الفساد، يترتب عنها: كونها تؤدي، بالضرورة، إلى الثراء الفاحش، وبأموال غير مشروعة، ولا يسأل ممارس الفساد:
من أين له بالأموال التي يوظفها في امتلاك العقارات وغيرها؟