الكاتب: الاستاذ محمد مناصرة
في كل مرة اشاهد او اسمع أو أقرا أمرا ما عن الوضع الدولي الراهن، وحين اطالع اسماء من تسمى بالدول العظمى، واستمع الى قُشاع (اصوات) الضباع السياسيين في هذه الدول، دائما ما تحضرني حكايات المرحومة أمي عن قصص الضباع في قريتي، وواقعة مواجهتي صيف العام 1956 احد الضباع في القرية حين وجدت نفسي وجها لوجه معه، ولولا فزعة المرحومين (لروحهم السكينة والسلام) حسن طه وعثمان ابو حرب واحمد صارة فأنقذوني منه لكان موتي أكيدا بين اسنان الضبع الهليعة.
كان "بافلوف" موفقا الى حد بعيد في توصيفه للتماثل بين البشر والحيوانات، وخاصة من زاوية وحدة الطبيعة وبما هو مشترك بين البشر والحيوانات، ومن ذلك عمل الاعصاب، الحاجة للطعام، والنوم، والاضطرابات النفسية، الحاجة للجنس، التعلق بالشمس، ولم تفترق المواصفات بين الحيوانات المتطورة والانسان الا بعد حدوث تطورات مهولة في ميكانيكا النشاط العصبي لدى الانسان. وبالطبع كان بلوغ الانسان مرحلة استخدام الكلمة هو الامر الحاسم في تمييز الانسان عن الحيوان، وتاليا تطور النشاط العصبي والفكر الاجتماعي لدى البشر بصورة مغايرة عن النشاط العصبي لدى الحيوانات.
ما علينا.... بعض المسئولين والقادة في الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول اوروبا، انهم وبرغم ولوجنا العام 2022 تتحكم بمسالكهم وما يصدر عنهم مواقف مسالك حيوانية، شبيهة بمسالك الحيوانات ومنها الضباع وتلك الحيوانات الاكثر وحشنة في الارض قبل تحولنا الأنسني.
في فلسطين وحدها كرست هذه الدول المسماة بالعظمى اميركا والغرب الأوروبي ملايين الملايين من الدولارات في بناء المنظمات الاهلية والمدنية لتعزيز المفاهيم المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الانسان والحريات العامة! وتعزيز الميل للدبلوماسية والحوار والتسامح في حل النزاعات، وتعزيز ثقافة القبول واحترام الرأي الاخر، وتعميم ونشر الاتفاقيات الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول ومنها اتفاقيات جينيف والعهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمتعلق بالحقوق المدنية.
وفي المحكات وجدنا هذه الاميركا وذاك الغرب والانظمة الرأسمالية بشكل عام يدفعوننا للترحم على ماركس واستذكار سخريته من تعلق الفرنسيين فيما كتب القديس خاصتهم "اوغست كونت" بشأن سبل القضاء على الفوضى الاخلاقية التي تسود المجتمع وسخريته من قانون المراحل الثلاث الكونتية بالانتقال من اللاهوتية للتجربة!
فقادة الانظمة الرأسمالية في اميركا والغرب نجدهم بالتجربة الواقعية يتصرفون وفقا للبوصلة: ما هو نافع لي فهو الصح والمقبول، والغاية تبرر الوسيلة، والمصالح فوق المبادئ والمصالح هنا بالطبع هي الاستحواذ على الموارد والاسواق والابقاء على تراكم ارباح الرأسماليين في تلك الانظمة، وعلى مراكز النفوذ، وما دون ذلك لا ضير في الدعس عليه بالصرامي وبجنازير الدبابات، سواء تعلق الامر بالقوانين السارية أم بالأخلاق وعلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية والدعس على كل ما انفقت في سبيله دول الغرب في فلسطين بشأن الحريات وحقوق الانسان والديمقراطية والحق في المعلومات وفنون الحوار وسبل التواصل والانظمة الدولية ليبدوا ما اجهد الغرب نفسه على اقناع شعبنا به كذبا في كذب!
حتى لو اخذنا في الاعتبار ما رآه عالم الاجتماع الالماني المعاصر "رالف دهرندوروف" الحاجة للفصل بين ملاك المصانع الضخمة ومنها مصانع السلاح والشركات فوق القومية وملاك الاحتكارات والمديرين لهذه المصانع والشركات كجسم مستقل عن الملاك وبان هؤلاء المديرين وهياكل الادارة هم اصحاب السلطة والسيطرة على صنع القرارات وليس ملاك المصانع والشركات فلا حاجة للصراعات الطبقية بهذه الحالة بين المالكين ومن لا يملكون. وكذلك لو اخذنا بالاعتبار مقترح "اوغست كونت" بالركون للتجربة في المعرفة والفهم. نستدل على أن جميع الحكام وجميع الادارات ليس في المصانع والشركات بل وفي السياسة وبما يخالف "دهرندوروف" و"اوغست كونت" نجد هؤلاء المديرين هم الناطقين والممثلين السياسيين حتى العظم لمصالح ملاك المصانع والشركات ومن ينفذون اجندات الرأسماليين عموما بما فيه تسخير انفسهم كخدمة اوفياء لأصحاب اقتصاد المعرفة راهنا.
واكثر من ذلك ما يحدث في العالم الراهن سلوك الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة هو تجلي واضح وفاقع السطوع لصدقية التشخيص الذي قدمه المفكر الالماني "تيودور أدورنو" وبرغم وفاته خلال الحرب الباردة (1969) في زمن القطبين، الا ان ما قدمه من تشخيص في حينه لواقع الحال الاخلاقي الرأسمالي يبدو كما لو انه يجلس الان أمام التلفاز يشاهد الاخبار عبر قناة "DW" التلفزيونية الالمانية ويدون الملاحظات بشأن سياسات واجراءات ومواقف الضباع في اميركا واوروبا.
ما كتبه "أدورنو" هو ما يحدث تماما وما تنفذه ضباع البيت الابيض في واشنطن والضباع في داوننغ ستريت بلندن، يقول: "إن التاريخ الكوني لا يقودنا من المتوحّش إلى الإنسان، ولكنه قد يقودنا من المقلاع إلى القنبلة". ويضيف بشأن الاكاذيب الرأسمالية الغربية عن حرية الرأي وقبول الاخر وفي دفاعه عن الحق في الاختلاف وعن فلسفة المختلف غير المتماثل وكشفه وتعريته للغرب بتكريس فلسفة الاختلاف وعرضه لتداعياتها وتطبيقاتها، ان الغرب الرأسمالي كصاحب لفكر الاختلاف :" إن فكر الاختلاف لا يطلب فقط عدم ابتلاع الغريب، بل لا يطلب حتى معرفته، لا يقبل بمعرفته معرفةً عقلية. إنه فكر يترك للغريب غرابته" ان اصحاب فلسفة الاختلاف في الغرب يجدون سعادتهم:" في أن يظل الغريب في قربه بعيداً ومختلفاً" ولذا لا سبيل لأن تغير الضباع في أميركا من سلوكها بقبول الشراكة مع الانظمة الرأسمالية الاخرى الا اذا تقزمت وسقطت هيمنة الدولار على الانظمة المالية العالمية.
ضباع البيت الابيض وداوننغ ستريت يتشددون بأيديهم ويحاربون بتوزيعهم الموت على كل من يحاول ابعادهم عن معتقداتهم في التمييز العنصري الذي كشفه موقفهم من المهجرين واللاجئين السوريين والافغان والافارقة مقارنة بالطريقة التي استقبلوا بها على اراضيهم اصحاب العيون الزرقاء من اوكرانيا، فتستديم معتقدات وافكار "ايمانويل كانت" العنصرية الذي أورثهم الافكار بأن " الإنسانية بلغت كمالها مع العرق الأبيض" والباقي لا قيمة أو حقوق لهم، هذا هو الغذاء الفكري والروحي للضباع الرأسمالية في البلدين وبلدان الغرب عموما، انهم في اميركا وبريطانيا سبب كل المآسي والويلات التي ابتليت بها الشعوب ومنها شعبنا الفلسطيني وشعوب الشرق الاوسط وشعوب اميركا اللاتينية وافريقيا وجنوب آسيا منذ قرون وحتى اليوم.
إن تداعيات الصراع في اوكرانيا تقدم كل يوم ادلة كافية مرئية ومسموعة ومحسوسة على دعس الضباع في البيت الابيض وداوننغ ستريت على كل ما بلغته البشرية في مجال الانظمة والقوانين والاخلاق. انهم ضباع لا تعير أي احترام واهتمام بالبشر انفسهم، وتتصرف كضباع وحيوانات مفترسة في جميع القارات، يكذبون ويكذبون ويستمرون في الكذب، دمروا العراق وقتلوا ملايين العراقيين بذرائع جميعها اتضح انها اكاذيب ودون ان يعتذر أي منهم للشعب العراقي، ولا اعتذر أحد منهم للأمم المتحدة ويكذبون وينافقون بإعلانهم الخوف والقلق على سيادة اوكرانيا الدولتية!!! .
دور الضباع الاميركية والبريطانية في اوكرانيا قدم ما يكفي من الادلة على انعدام أية اخلاق من تلك التي راكمتها البشرية، والبوصلة الوحيدة التي تسير بمقتضاها تلك الضباع هي شهواتها الحيوانية في افتراس الاخرين، دون مراعاة ليس لمصالح الشعب الاوكراني بل ودون مراعاة لأية قيم او مصالح للبشرية عموما. ولا غرابة في أن هذه البلدان اضحت عظمى ليس بمقدراتها بل بالموارد التي نهبتها واستولت عليها خلال حقبة الاستعمار من مختلف البلدان والشعوب التي كانت مستعمرة.
ملاحظة : لئن كان جوهر النص وموضوعه يتركز على الضباع الرأسماليين في الغرب، فليس ذلك تبرئة لمسالك ومواقف الرأسمالية الروسية من اخطائها، ولكن لأن مهام كشف وتعرية اكاذيب وسفالات ووحشنة الضباع في الغرب، مهمة اخلاقية وكفاحية واجبة، نظرا للحملة الاعلامية الكونية المسعورة التي تسخرها ضباع البنتاغون وباستخدام محطات فضائية مهولة عالمية واقليمية كالجزيرة والعربية مثالا، وتعمل جميعها كما لو كانت منابر أجيرة لدى البنتاغون، وتشارك في خداع الراي العام وتضليله وتزوير وعي وارادة الشعوب.