الكاتب: هبه بيضون
على الرغم من أن اغتيال الصحفية المرموقة شيرين أبو عاقلة ليست الجريمة الأولى ضد الصحفيين وضد أبناء شعبنا الفلسطيني، ولن تكون الأخيرة، ولم تكن مفاجئة من زاوية أنه لا يوجد حدود لبشاعة جرائم الاحتلال، وأن هذا الاحتلال لا يملك شيء من الأخلاق ولا الضمير ولا المثل العليا ولا الإنسانية التي يمكن أن تردعه، وتمنعه من اقتراف أبشع الجرائم، إلا أن هذه الجريمة كان لها وقعاً مدوياً ومؤلماً ليس فقط على الجسم الصحفي الفلسطيني، ولا على الشعب الفلسطيني فحسب، بل على كل حر في جميع أرجاء الوطن العربي والعالم أجمع.
شيرين استهدفت لأسباب عديدة، أولها أنها فلسطينية، وكل فلسطيني مستهدف، وثانياً لأنها صحفية حرة، وكل صحفي حر مستهدف، صحفية من الطراز الأول والطراز الرفيع الذي يخشى منه هذا الاحتلال الجبان الضعيف، الذي يعاني من العديد من الأمراض النفسية جرّاء معرفته لذاته أكثر من أي طرف خارجي، فهو يعلم جيداً أنه محتل غاصب، لا حق له في فلسطين، وأنه كاذب ومختلق لرواية لا وجود لها من الأساس، وأنه لملم ما يسمى بشعبه من هنا وهناك، من شتى أرجاء الأرض، ليجمعهم في أرض فلسطين التاريخية ليشكل ما يسمى ب" دولة إسرائيل"، وأنه احتلال عنصري منبوذ ومكروه من قبل العديد من دول العالم الحر والشعوب الحرة، وعلى الرغم من ذلك، فهو يحاول أن يمثل دور المنسجم مع ذاته، ويكذب ثم يكذب ثم يكذب حتى يصدق كذبته ويقنع العالم بها، تلك الرواية المختلقة المبنية على أوهام وطموحات الحركة الصهيونية، ولكن الشهيده شيرين وأمثالها من الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين كشفوا زيف هذا الاحتلال، ونقلوا ممارساته الوحشية السادية العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني إلى العالم بالصوت والصورة، وثّقوا جرائمه بطريقة احترافية لا لبس فيها، فأزعجتهم شيرين بحضورها الدائم في الميدان لتكشف الحقيقة، ولا شيء سوى الحقيقة، بتقاريرها المفصلة المحترفة عن انتهاكات وممارسات الاحتلال المستمرة للشعب الفلسطيني وحقوقه، وفضح زيف ادعاءاتهم بأنهم أفضل ديمقراطية في الشرق الأوسط، فاتخذوا القرار بإسكاتها وهي على رأس عملها في أكثر المناطق والمخيمات سخونة، في جنين البطولة، التي خرّجت عدد كبير من الشهداء والجرحى الأبطال من المقاومين، الذين لم يرضوا باقتحامات جنود الاحتلال لمدينتهم ومخيمهم وبيوتهم، فأبوا أن يستسلموا، وقاوموا حتى الرمق الأخير.
نضال الشهيدة الحية شيرين، لا يقل بسالة ولا أهمية عن هؤلاء الأبطال الشهداء والجرحى، فهي التي لم تتوانى لحظة عن أن تتواجد حيث بؤرة الحدث في أي منطقة في فلسطين والقدس العاصمة المحتلة، وفي جميع الأوقات، وفي أحلك الظروف وأصعبها وأكثرها سخونة، لتنقل الحدث والوقائع والحقيقة مباشرة إلى العالم عبر الفضاء، على الرغم من أنها كانت تعرف جيداً أن حياتها مهدّدة بالخطر وأنها مشروع شهيد.
من الغباء أن يعتقد هذا المحتل المغتصب العنصري الإحلالي المجرم، أنه باستهداف شيرين واغتيالها بهذه الطريقة الوحشية مع سبق الإصرار والترصد، يكون قد تخلص من صوتها وتقاريرها، ولا يعلم أن شيرين هي كل صحفي فلسطيني يمارس عمله من الميدان لينقل الحقيقة ويفضح الاحتلال، شيرين هي نموذج بل النموذج الأمثل للصحفي الفلسطيني الشجاع المناضل، وأن هناك أجيال من هذا النموذج ستظهركل يوم.
شيرين التي أحبها الناس، وبالأخص أهالي مخيم جنين، حيث شهدت معهم اقتحامات المخيم من قبل قوات الاحتلال، وكانت تتنقل في المخيم بحثاً عن الشهداء والجرحى في مساعدة منها للأهالي، ستبقى حيّة في الأذهان، وستكتب جزء من الذاكرة الفلسطينية التي توثق جرائم الاحتلال، شيرين حفرت صوتها وصورتها في قلوب وعقول الناس، شيرين ستكون القدوة والمثال الذي يحتذى به في عالم الصحافة ونقل الحقيقة. رحم الله شيرين وتقبلها شهيدة وأسكنها في عليين.