الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

‏بين قلب الأم وقلب الوطن

نشر بتاريخ: 12/05/2022 ( آخر تحديث: 12/05/2022 الساعة: 15:21 )

الكاتب: ‏نادين روز علي





قد يكون هذا الموضوع من المواضيع التي نتجنب النقاش فيها علناً وعلى رؤوس الأشهاد لأسباب عديدة ، لكنني ، لكثرة النقاش الهامس وأهمية الموضوع ، أسمح لنفسي الخوض فيها .
‏تحدثني بعض الأمهات ، دون وجل أو خجل كما في السابق ، عن خوفهن على الأولاد ، ومراقبتهم ، وخوفهن من " انزلاق " الإبن في أحضان المواجهات الخطرة أو المسلحين ، في هذه الفترة الصعبة . ولا شك أن قلب الأم يخفق دون إذن منها ، ويخاف على الإبن دون إذن منها ، ولا يهمه تلك المشكلة التي يقع فيها عقل الأم بين الرغبة في مقاومة المحتل وبين الرغبة بالحفاظ على الإبن وعدم خسارته لمستقبله . أقول الأم ، ولا أستثني الأب طبعاً ، لأن الأم ، على الأقل تسمح لنفسها بالكلام والمصارحة ، بعكس الأب الذي في كثير من الأحياء لا تسمح له شهامته بأن يعرف الآخرون أن لديه مثل هذا التفكير والخوف والهمّ .
‏إن احترامنا للمقاومة المشروعة للمحتل ورغبتنا بزوال الاحتلال لا تعفينا من القلق على أبنائنا ، لحمنا ودمنا ، وهذا أيضاً مشروع وهو موجود في داخلنا دون إذن أو موافقة منا . فقلب الأم دليلها ولا تستطيع هي أن تكون دليلة له !
‏وتقول لي أم صديقة انها ليست ضد مشاركة ابنها في المواجهات أو الأحداث ، من حيث المبدأ ، لكنها تؤمن أنه ثبت أن ذلك غير مفيد عملياً ، وانها إن قارنت ذلك بالثمن الباهظ الذي يمكن أن يدفعه ابنها وهي والعائلة ، بالأساس بالتأثيرات السلبية على مستقبله ، فهي تفضل أن لا يشارك وتراقبه وتحاول أن لا تجعله يختلط بإولئك الشباب المتحمسين . وهي لا تشعر بتأنيب ضمير على ذلك لأنها مقتنعة أن مصلحة ابنها ، لديها ، هي المعيار الأول ، وأن التضحية بذلك لا يستحق الفائدة الوطنية شبه المعدومة المترتبة عليه .
‏قليلة جداً هي الأمهات التي تدفع ابنها دفعاً للأحداث ليواجه المجهول ، سواء في الحاضر أو المستقبل . ويجب أن لا نخجل من ذلك ، فهذا طبيعي وهو يعكس ذلك الصراع الخفي بين قلب الأم وقلب الوطن . ولا يمكن أن يظل هذا الوضع الذي يمنعنا من التعبير عن مشاعرنا وتفكيرنا وإرادتنا ، أو اتهامنا بالخيانة أو النذالة لمجرد أننا نعبر عن خوفنا على أبنائنا ، فلذات أكبادنا . فنحن نرى أمهات يدفعن الثمن طيلة حياتهن دون أن يشعرن أن الوطن استفاد شيئاً من هذا العناء والتعاسة والحزن مدى الحياة . الأم الفلسطينية تعبت ، وتعبت جداً ، ويجب أن يفهم الجميع هذه الحقيقة والبدء بالبحث عن بدائل أخرى ووسائل أخرى أكثر فائدة وأقل ضرراَ لمجتمعنا وشعبنا .
‏لست أدري لماذا يعتبر الخوض في هذا الموضوع ممنوعاً عند البعض وكأنه ذبح بقرة مقدسة ! ألم يحن الوقت أن نتعلم أن نناقش جميع المواضيع ونطرحها على الطاولة ؟ وإلى متى نتحدث في البيت أو في حديث مغلق شيئاَ وأمام الناس أو في العمل أو الشارع أو الصحافة شيئاً آخر ؟ لماذا هذا الكبت من طرح بعض المواضيع للنقاش وكأن الدنيا ستقوم ولن تقعد ؟
‏الأم الفلسطينة ، والأخت والإبنة ، خرجت في السنين الأخيرة لسوق العمل بشكل كثيف مما جعلها مشارِكة رئيسية أحياناً في دخل العائلة واقتصاد المجتمع . وهذا تطور اجتماعي نوعي مبارك . وعلى المجتمع أن يرد لها هذه المساهمة بالتقدير اللازم ، ويحترم مكانتها الداعمة للاقتصاد الوطني والاقتصاد الأسري ، وعلى الأقل أن يسمح لها بالكلام والمشاركة في نقاشات كانت شبه محرمة عليها عملياً ، كشيء متفق عليه ضمناً دون التصريح به . للمرأة رأيها المختلف أحياناً ، ومشاعرها التي لا يستطيع الرجل العربي في مجتمعنا أن يحس بعمقها .
‏خذوا مثلاً موضوع العنف داخل الأسرة . هناك خوف من إبداء الرأي في الموضوع ، فليست هناك أم أو زوجة أو أخت تقبل باستعمال العنف ضدها في البيت لأي سبب كان ، لكنها تتجنب الحديث عن ذلك ، ومستعدة للسكوت عن العنف من أجل " السترة " وسمعة العائلة وسمعة من استعمل العنف . حتى إذا فكرت بتقديم شكوى للشرطة فإن أول نصيحة يقدمها الشرطي لها هي : شو رأيك تسكري الموضوع أستر لك ولأهلك ولسمعتك ؟
‏نعم ، آن الأوان لأن نفتح المواضيع " المغلقة " وأن نقول ما نشعر به وما نفكر به نحن النساء ونعرضه للنقاش ، وهذا ليس "فضيحة " ولا " خيانة " ولا سوء سمعة ، وإنما هو لفائدة المجتمع والوطن ، ولفائدة الأسرة .
‏ظروفنا مركبة ومعقدة ، لكننا نبحث دائماً عن السير بين حبات المطر لنجلب قدراً من السعادة والأمان وضمان المستقبل للأسرة عامة وللأبناء والبنات خاصة ، وهذا ليس مشروعاً فقط بل وواجب ديني وأخلاقي ونفسي .