الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
قبل ستة وثلاثين عاما اعتقلتني قوات الاحتلال من داخل حافلة رحلة جامعية متجهة الى بانياس . وفي زنازين السجون تعلمت اللغة العبرية وتركت كلية العلوم الى غير رجعة .
ست وثلاثون سنة وانا اقرأ اللغة العبرية يوميا . اقرأ اخبارهم واحوالهم وردود افعالهم ولغة أجسادهم . ولم يضف ذلك الى علمي علما ، ولا الى ادبي أدبا ، فهي لغة انتقام وكراهية .
وأنا لا انكر انني تعلمت من اللغة العبرية أهم درس في حياتي كلها . وقد عرفت كيف يفكرون ! وكيف لا يتفكرون . كيف أنهم ضعفاء من الداخل ويبحثون عن القوة من الخارج .
في كل عام وفي كل مناسبة يقولون باللغة العبرية عبارة أعجبتني كثيرا .
اعجبتني لدرجة الاقتباس ( لو نشكاح . لو نسلاح ) . وترجمتها لن ننسى ولن نغفر .
أعجبتني كثيرا . لدرجة أرغب أن أذكرها اليوم في ذكرى نكبتنا . في مثل هذا اليوم اغتصبت عصابات الصهاينة فلسطين . قتلوا أهلها بالمذابح وأخذوا البيوت والمدن والبساتين واشجار البرتقال والموانئ والسفن والبحار والبحيرات والانهار . سرقوا وطنا كاملا مع مطاراته وشوارعه وأشعاره وطعامه وأغنامه وطيوره .
في هذا اليوم اريد ان اهمس في اذن بن غوريون في قبره . وأقول له ما تعلمته انا من اللغة العبرية : نحن أيضا ( لو نشكاح . لو نسلاح ) .
نحن أيضا لن ننسى ولن نغفر يا إبن غوريون .
والحقيقة انكم نسيتم وغفرتم حين اعطتكم المانيا أموال التعويض في بداية الستينيات .
اما نحن واحفادنا الى الف عام ، سنلتزم بما تقول لغتكم حول النسيان والغفران . وحين هاجم أحفادك نعش شيرين أبو عاقلة ازدادت قناعة العالم بهذا , وشاهد كل انسان كيف تحوّلتم من ضحية الى مجرمين .
خذها مني يا إبن غوريون : لن ننسى ولن نغفر.
والمعركة ليست بيننا وبين جيوشكم وطائراتكم اليوم , بل ان المعركة بين الأجيال القادمة ، واحفاد أحفاد احفادك سيعتذرون ويبكون كثيرا وهم يطلبون منا أن ننسى وأن نسامح .
لكن أحفاد أحفاد أحفادنا ربما يقولون لهم : لقد قرأنا في اللغة العبرية عبارة جذبتنا بشكل خاص حول النسيان وحول الذكرى .