الكاتب: رامي مهداوي
سأجلس أنا والإعلامية الشهيدة على طاولة برنامج مرآة الصحافة في استوديو قناة الجزيرة برام الله، تستعد هي لمحاور المقابلة على الصحف الفلسطينية" الأيام، القدس، الحياة" وصورها على الصفحة الأولى على تلك الجرائد؛ إسمها هو العنوان الأبرز في جميع وسائل الإعلام المحلية والدولية ووسائل الإعلام المجتمعية.
1..2..3 ... نحن على الهواء مباشرة، تقرأ شيرين أبو عاقلة عناوين إغتيالها برصاص الإحتلال، تُرحب بي وتُباغتني بسؤالها ماذا حدث؟ لا أعرف الإجابة!! أسأل نفسي.. كيف تسأل الحقيقة عن ذاتها؟ كيف يسأل الخبر عن مضمونه؟ كيف أصبحت هي السؤال والجواب؟المراسلة والتقرير؟ كيف لصاحبة المشهد والصورة أن تسأل عن ذاتها... أستجمع قواي وأجيب بإختصار تم إغتيال الحقيقة.
تسأل شيرين كعادتها الأسئلة التي تُفكك مفاصل النصوص المترابطة بصيغتها الكلاسيكية لتقديم الجديد للمشاهد: لماذا كل هذه الضجة الإعلامية بالأخبار عن مراسلة في قناة إخبارية؟ إستفزني هذا السؤال، أحاول أن أسيطر على مشاعري لكني أندفع بالقول لها: كُنت أنت كل الإطار الناظم لكل الرواية الفلسطينية من خلال تقاريرك المهنية خلال مسيرتك الإعلامية من زقاق المخيم، والقرى والمدن، بمختلف القضايا الوطنية، السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية، الثقافية.
تحاول شيرين أن تقاطعني لكي تسأل سؤال آخر؛ لكني أستمر بالحديث بصوت مرتفع هو تواضعك مع الجميع، هي إبتسامتك التي تدوم وتنعكس على كل من هم حولك وفلكك، هو تواجدك في الأماكن التي لا يتواجد بها من يجب أن يكون، هو هدوئك الأنثوي في لحظة الغضب....
تُقاطعني مجدداً.. تبتسم لأنها أجبرتني على التوقف عن استكمال حديثي، تنتقل الى صحيقة أخرى وتسألني وهي تنظر الى الصفحات الداخلية هل هذا الخبر صحيح وما مدى دقته: الآلاف يشاركون في تشييع جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة؟ ماذا لو استيقظت من سُباتك الأبدي لساعات محدودة ونقلت الخبر أنت عن ذاتك ماذا كنت ستقولين؟ تصمت لا تجيب عن سؤالي، لكني أهمس لها: ما أكثر من سيتمنى أن تخرج له مثل هذه الجنازة!!
فيما تبقى من وقت لنا من عُمْر اللقاء ماذا بعد هذه الجريمة؟ تسأل شيرين، أحاول أن أستثمر الوقت المُتبقي معي في البرنامج ومعها قبل رحيلها الى مكانها الأخير الذي تحب القدس... الآن وقت العمل، على الكُل الفلسطيني وخصوصاً قطاع الإعلام وحقوق الإنسان أن يفضحوا جرائم الإحتلال المستمرة بحق الشعب الفلسطيني بطرق غير تقليدية وعدم الإكتفاء بالبيانات والتصريحات الصحفية الداخلية، على قناة الجزيزة أيضاً استنهاض كل أدواتها في تعرية الإحتلال وممارساته بحق الكُل الفلسطيني، وعلى المؤسسة الرسمية التوجه الآن الى كل المحافل الدولية لعمل اللازم دون أي تراجع أو تهاون مع أي جهة كانت...
أستيقظ من حالة اللاوعي.. لا أجد شيرين أبو عاقلة بجانبي ولا أنا في استوديو الجزيرة، لكن كان أمامي ثلاثة صحف فلسطينية بالعناوين التالية " هكذا اغتال جيش الإحتلال شيرين أبو عاقلة" "استشهاد أيقونة الصحافة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة" "من فلسطين "كانت معكم شيرين أبو عاقلة"".