الكاتب: ناصر دمج
جسد تفاعل شعبنا العفوي مع استشهاد الصحفية "شرين أبو عاقلة"، شكلاً غير معهوداً من وحدة الجماهير في ميدان الصراع مع المحتل، وهو تجسيد لم يحظى بموافقة فصائل العمل الوطني والإسلامي لكي يظهر بالشكل الذي ظهر عليه.
وهو تطور لم يكن وليد هذه اللحظة، بل نشأ في الظل وعلى هامش الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، وقد توقعه العديد من المراقبين للحالة الفلسطينية، بمن فيهم الإسرائيليون الذين حذروا من ولادة جيل جديد من المقاتلين الفلسطينيين، من خارج فصائل منظمة التحرير ومن خارج الفصائل الإسلامية.
حيث أظهرت العمليات الأخيرة التي نفذت في الخضيرة والنقب ومستعمرات تل أبيب وإلعاد، تغييراً جوهرياً في أساليب عمل المهاجمين، وهو تغيير شكلته الدوافع التي دفعت المهاجمين للقيام بما قاموا به، لأنهم يتحركون بمبادرة وتخطيط فرديان إلى حد كبير.
يعني ذلك، أن هناك لاعبون جدد، ومن خارج تلك الفصائل أصبح لهم كلمة في الشأن العام، وفي تحديد صيغة العلاقة مع المحتل الإسرائيلي.
وتنشأ مثل هذه الظواهر الاجتماعية والسياسية عادة، لتعبئة الفراغ الذي ينشأ عن قصور اللاعبين السابقين في الساحات، أو تراجع دورهم في مواكبة تطور مجتمعهم المحيط، ومن تلك التطورات حاجة الشباب، ليس للعمل فقط، بل لأخذ دورهم في المجتمع أو داخل تلك الحركات نفسها، فمن لم يجد له مكاناً فيها يخرج منها؛ ويبحث عن البديل الذي يناسبه، لهذا ليس غريباً أن جزء عظيم من منفذي العمليات ليس لديهم انتماء سياسي واضح المعالم، بينما نجد أن آباءهم كانوا في السابق من المحسوبين على فتح أو حماس أو من العاملين الرسميين في السلطة الفلسطينية، يعني ذلك أن احتياجاتهم متغيرة ومختلفة عن احتياجات أسلافهم، ولهم تطلعاتهم المستقبلية الخاصة.
هذا المتغير يطرح علينا العديد من الأسئلة، حول المساهمة النسبية لفصائل العمل الوطني والإسلامي في تجسيد الوحدة الوطنية في الشارع الفلسطيني ؟ ومن ثم معرفة نسب تمثيلها للجماهير ؟ ومدى ارتباط تلك الجماهير بها ؟ ومدى مساهمتها في تجسيد الوحدة الوطنية في حال قررت المساهمة في ذلك، ومدى قدرتها على تعطيل هذا التجسيد، كواحدة من فعاليات الحالة السياسية المساهمة أو المعيقة لاكتمال المشهد الوحدوي الفلسطيني.
وقبل الإجابة على هذا السؤال، لا بد من التوقف عند التحديثات التي أدخلها استشهاد "شرين أبو عاقلة" على الأمر نفسه، حيث تمكنت الشهيدة من جمع كافة أطياف وفئات المجتمع الفلسطيني على صعيد واحد، دون أن يكون للفصائل الفلسطينية المختلفة أية إرادة أو قرار في هذا الجمع، وخاصة في مدينة القدس المحتلة.
يستنتج من ذلك، أن هناك فروق جوهرية (فعلاً) بين مفهوم "وحدة فصائل العمل الوطني الفلسطيني" ومفهوم "وحدة الشعب الفلسطيني"، بمعناها الشامل والجامع لتماسك وترابط المجتمع الفلسطيني.
ويعني ذلك، أن وحدة فصائل العمل الوطني أو عدم وحدتها لا تعني بالضرورة وحدة الشعب الفلسطيني من عدمها، فلكل من الحالتين المبينتين هنا دلالتها الاصطلاحية وتستمد معياريتها من ذاتها، وتؤثر كل منها في الأخرى تأثير متفاوت وغير متساوي، أي إن وحدة الفصائل هي شكل من أشكال الوحدة الوطنية وأحد روافدها الرئيسة، ولكن غياب هذه الوحدة بين الفصائل، لا تعني انعدام الوحدة الوطنية بين فئات وشرائح وطبقات الشعب الفلسطيني.
وأن التعريف الكلاسيكي لمفهوم الوحدة الوطنية، بات كالخطأ الشائع، الذي تواطأت على ترسيخه الفصائل، بما يخدم مساعيها لحفر مكاناً مناسباً لها ضمن الموزايك السياسي الفلسطيني، وهذا التعريف بات الآن منفصلاً عن الواقع ولا يعكس الحقيقة الاجتماعية والسياسية والتاريخية الراهنة للشعب الفلسطيني، وهو بحاجة لتصويب، لأن الوحدة الوطنية تجسدها الجماهير العريضة بكل أطيافها؛ وفصائل العمل الوطني والإسلامي تسهم في تعزيز الحالة، بصفتها جزء من المشهد الوطني العام، لذا فإن مفهوم الوحدة الوطنية الواقعي بتطبيقاته الطبيعية هو وحدة الجماهير وليس اتفاق الفصائل أو عدم اتفاقها.
يفهم من ذلك، أن تجسيد الوحدة الوطنية كاحتياج وطني، مؤسس لمواجهة المحتل لم يعد بحاجة للمصالحة بمعناها الكلاسيكي بين فتح وحماس، لأن الوقائع الأخيرة، كالعمليات الفدائية، ومرابطة الناس في الأقصى والتصدي للمحتل الإسرائيلي، والتضامن الجماهير الجامع مع الشهيدة "شرين أبو عاقلة" المضاهي لزحف التحرير، أثبت أن الشعب الفلسطيني بكل أطيافه هو المصدر الطبيعي والوحيد للوحدة الوطنية، وبمقدور شبابه وشاباته وفعالياته ومؤسساته الأهلية وعائلاته وقبائله المساهمة في تعزيز الوحدة الوطنية من خلال غير تطبيق وتجسيد.
وأضحت الجماهير، قادرة على تغيير ما يجب تغييره، لأنها المالك الوحيد لحق تغيير الموجود بقوتها الكاسحة التي تمنح الشرعية للفصائل وتنزعها عنها عندما ترى ذلك مناسباً، وصياغة مفهوم جديد للوحدة الوطنية خال من التأثير المزعزع لها، والذي تتسبب به فصائل العمل السياسي على اختلافها وتنوعها، بعد أن تحولت لخط إعاقة مانع لتجسيدها، بدلاً من أن تكون ميكانزم تعزيز لها.