الكاتب: عوني المشني
هزيمة من العيار الثقيل من حيث النسبة في الاصوات ومن حيث التوقيت والمكان ، فارق عشرة مقاعد نسبة غير ملتبسة ولا تقبل التبرير ، بير زيت لها رمزية خاصة كباروكيتر للمزاج الفلسطيني وفي توقيت يستبق اي تغييرات في مستويات عليا للشعب الفلسطيني ويرتفع صوت الكلام عن موقع الرئاسة الفلسطينية .
اذن نحن امام حدث كبير ، وكبير جدا ، ومع ذلك دعنا نقرأ تداعياته المتوقعة ، فهذا الصراخ العالي سيهدأ بعد حين .
وبعيدا عن المواقف الانفعالية التي تبعت هذا الفشل المدوي يفترض التوقف بهدوء امام حقائق قد تبدوا صادمة اذا ما وضعت في السياق ولكنها بديهيات لا يمكن القفز عنها
اولا : ان حالة التراجع لحركة فتح بدأت بالانتخابات التشريعية قبل خمسة عشر عاما ، وتوصلت في الانتخابات البلدية التي تكررت مرتين ، وفي مجالس الطلبة في اكثر من جامعة وفي نقابات مهنية كثيرة ، صحيح ان هناك نجاحات ولكن المنحنى الاحصائي العام يشير الى تراجع يزداد مع الوقت ، بالتالي خسارة انتخابات بير زيت ليس حدثا شاذ او خارج عن السياق لا هو استمرار له
ثانيا : كل محاولات استخلاص العبر عبر خمسة عشر عاما كانت شكلية وفي الاغلب لامتصاص الغضب الذي يتبع اي فشل ولم تجري ولو لمرة واحدة اقرار توصيات وتنفيذها ، ودائما وابدا تقف القرارات والتوصيات عن اللجنة المركزية التي تدير الظهر عن اي توجه للاصلاح
ثالثا : عقدت فتح مؤتمرين في هذا الفترة السادس والسابع وكلا المؤتمرين ساهما بتعميق الازمة ولم يعملا اي جهد يذكر للتعاطي مع مشكلات حركة فتح ، المؤتمران شرعنا الوضع القائم والتغيرات التي احدثهما كانت للاسوأ وليس للافضل ، والاهم ساهما في افقاد الثقة بمثل هذه المؤتمرات في احداث اي تغييرات ايجابية .
رابعا : عبر هذه الفترة جرى تقويض ممنهج ومتواصل لدور المؤسسات التنظيمية ، كما هو الحال مع مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير - فلم تعد اللجنة المركزية بالقوة والفعالية التي كانت من قبل اما المجلس الثوري فتحول الى ديكور تجميلي لا اكثر ، وهذا منهج تواصل خلال خمسة عشر عاما .
خامسا : بات واضحا ان الاصلاح والتغيير يتناقض بشكل او باخر مع رغبات المستوى التنظيمي المتنفذ وبمعزل عن الفشل او التراجع ، فصم الاذان عن كل المطالبات بالاصلاح وعن اسباب التراجع المتسارع للحركة عبر خمسة عشر عاما واكثر يدلل بما لا يدع مجالا للشك بان ما يحصل ليس تقاعسا او عدم اكتراث فحسب بل هو منهجية لرفض الاصلاح والاصرار على الوضع القائم حتى لو ادى للانهيار .
سادسا : ان تحميل المستويات القاعدية للفشل والبحث عن اسباب واهية هو هروب من المسئولية ، الفشل والتراجع متواصل وفي اكثر من موقع ويتعمق بفعل سياسات القيادة العليا للحركة سياسات الاستتزلام ، والاستبعاد للكادر النضال ، بسبب تراكم الفساد واتساع دائرته ، بسبب سياسات حكومية تتحمل فتح مسئولياتها ، بسبب اداء امني قامع للحريات ، بسبب تهميش وتدمير مؤسسة القضاء ، بسبب سياسات تجويع شعبنا ، والقائمة تطول وتطول وتطول وكل تلك ليست سياسات قاعدية بل هي سياسات اعلى مستوى قيادي فلسطيني في فتح والسلطة .
سابعا : سياسات امتصاص الغضب باجراءات شكلية من الاصلاح لا تعدو كونها تعميق للازمة وتسريع للفشل ، لا انتخابات اقاليم جديدة ولا مؤتمر عام مرسوم النتائج والمخرجات مسبقا ولا لجان تحقيق شكلية ، كل تلك ان تكون قادرة على مواجهة هذا الانحدار المتسارع ، واخشى ان لا تكون قد بقيت فرصة للاصلاح ، فمستوى الاداء الرديئ قد يكون اكبر من ان يتم اصلاحه ، هذا من ناحية ، ومن الناحية الاخرى فان الاصلاح اذا لم يمس المستوى القيادي الاول فانه لن يكون بذي معنى . هذا يعني ان حركة فتح تحتاج الى برنامج ثوري الاصلاح يمس جوهر الخلل وليس اطرافه او تداعياته وهذا لن يتم في ظل هذا المستوى القيادي .
ثامنا : ما زالت القيم والمفاهيم والمبادئ القائمة عليها حركة فتح ضرورة وطنية ، بل اصبحت الان ضرورة وطنية اكثر من ذي قبل ، فالحركة التي قامت على اساس التحرر الوطني بسواعد ابناء الشعب الفلسطيني لا زالت هي الاجابة التي تكاد وحيدة على الاحتلال والنكبة . هذا يعني ان الفشل لم يكن نتاج الاسس التي قامت عليها فتح بل نتيجة للابتعاد عن هذه الاسس وبالتالي فان جوهر الاصلاح هي العودة لتلك الاسس وتكريسها من جديد
تاسعا : لم يعد هناك متسعا من الوقت للتجارب فطريق اصلاح الحركة واضح ، وصانعي الفشل لا يمكن ان يكونوا حاملي لواء الاصلاح ، لهذا فاذا لم يستهدف الاصلاح المسئولين عن الفشل فمن يستهدف ؟!!!! اي اصلاح في ظل هؤلاء يعني تكرار التجربة واعادة تدوير الازمة ولكن بعمق اكبر .
عاشوا : اذا لم تشكل تلك المحطة فرصة للاصلاح فانها ستكون منعطفا خطيرا في مسار الازمة ، بمعني ستأخذ الازمة منحنيات اكثر خطورة وسيصبح وضع الحركة وكوادرها مختلف نوعيا عما كان سائدا حتى الان ، فحالة الاحتقان الحركي وحتى لو جرى تنفيسها باجراءات شكلية فانها ستعود للانفجار عند اي فشل او ازمة قادمة وبشكل اكثر حدي مما هو سائد ، وفقدان السيطرة على التنظيم والكادر سيتحول الى ظاهرة عامة تعصف بكل ما هو كائن .
هذا ليس تحليل بقدر ما هو قراءة فيها من التجريد ما يكفي للاستنتاج ، وكافة هذه المعطيات لا تحتاج الى اختبار لمصداقيتها ، فتجربة خمسة عشر عاما تزخر بالشواهد على مصداقيتها .
واستنادا الى هذه المعطيات يمكن نحت برنامج اصلاحي حقيقي يعيد تصحيح المسار ، هذه الامكانية نظريا فقط ولكن يوجد الف معيق ومعيق لها ، فالمعيقات ليست داخلية وتنظيمية فقط ، ليست شخصية فقط ، وليست بنيوية فقط ، هناك معيقات موضوعية وقادرة على عرقلة ان لم يكن احباط عملية الاصلاح ، وعندما تتحالف المعيقات الذاتية والموضوعية فان حركة فتح ذاهبة الى مكان غير مكانها الصحيح .